عن عبد الرحمن بن عمر قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كنا في جنازة فيها عبيد الله بن حسن العنبري -وهو يومئذ قاضي البصرة وله موضعه في قومه وقدره عند الناس- فتكلم في شيء فأخطأ، فقلت وأنا يومئذ حدث -يعني: غلام- ليس هكذا يا أبي! عليك بالأثر، فتزايد علي الناس -يعني: استكثروا علي أن أقول ذلك لرجل له مكانة وعلم وفضل- فقال عبيد الله: دعوه، وكيف هو؟ قال: فأخبرته، فقال: صدقت يا غلام! إذاً: أرجع إلى قولك وأنا صاغر.
وعن أبي موسى محمد بن المثنى قال: رأيت في حجر عبد الرحمن بن مهدي كتاباً فيه حديث رجل قد ضرب عليه فقلت: يا أبا سعيد لم ضربت على حديثه قال: أخبرني يحيى أنه يرمي برأي جهم فضربت على حديثه.
وعن إبراهيم بن زياد قال: سألت عبد الرحمن بن مهدي ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: لو كان لي سلطان لقمت على الجسر، فكان لا يمر بي أحد إلا سألته، فإذا قال لي: مخلوق ضربت عنقه وألقيته في الماء.
وعن عبد الرحمن بن عمر قال: ذكر عند عبد الرحمن بن مهدي قوم من أهل البدع واجتهادهم في العبادة فقال: لا يقبل الله إلا ما كان على الأمر والسنة، ثم قرأ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27]، فلم يقبل ذلك منهم ووبخهم عليه.
ثم قال: الزم الطريق والسنة.
قال: وسمعت عبد الرحمن بن مهدي يكره الجلوس إلى أصحاب الأهواء، ويكره أن يجالسهم أو يماريهم، فقلت له: أترى للرجل إذا كانت له خصومة وأراد أن يكتب عهده أن يأتيهم؟ قال: لا، مشيك إليهم توقير، وقد جاء فيمن وقر صاحب بدعة ما جاء.
وقال رسته: سمعت ابن مهدي يقول لفتى من ولد الأمير جعفر بن سليمان: بلغني أنك تتكلم في الرب وتصفه وتشبهه؟ قال: نعم، نظرنا فلم نر من خلق الله شيئاً أحسن من الإنسان، فأخذ يتكلم في الصفة والقامة، فقال له: رويدك يا بني! حتى نتكلم أول شيء في المخلوق، فإن عجزنا عنه فنحن عن الخالق أعجز، أخبرني عما حدثني شعبة عن الشيباني عن سعيد بن جبير عن عبد الله {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18] قال: رأى جبريل له ستمائة جناح.
فبقي الغلام ينظر، فقال: أنا أهوِّن عليك، صف لي خلقاً له ثلاثة أجنحة، وركب الجناح الثالث منه موضعه حتى أعلم، قال: يا أبا سعيد! عجزنا عن صفة المخلوق، فأشهدك أني قد عجزت ورجعت.
قال الذهبي: ونقل غير واحد عن عبد الرحمن بن مهدي قال: إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى، وأن يكون استوى على العرش، أرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم.