وفاته رحمه الله: قال ابن سعد رحمه الله: كتب سفيان إلى المهدي أو إلى يعقوب بن داود فبدأ بنفسه فقيل له: إنهم يغضبون من هذا، أي: أنه عندما يكتب: من فلان إلى فلان -وهذه سنة في الرسائل- قالوا له: إن الأمراء يغضبون من ذلك، ولا بد أن يبدأ بهم، فبدأ بهم، فأتاه جواب كتابه بما يحب من التقريب والكرامة والسمع منه والطاعة، فأراد الخروج إليهم، فحُم ومرض مرضاً شديداً وحضره الموت فجزع، فقال له مرحوم بن عبد العزيز: يا أبا عبد الله! ما هذا الجزع؟ إنك تقدم على الرب الذي كنت تعبده، فسكن وهدأ وقال: انظروا من هاهنا من أصحابنا الكوفيين، فأرسلوا إلى عبدان فقدم عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر والحسن بن عياش أخو أبو بكر بن عياش فأوصى إلى عبد الرحمن بن عبد الملك وأوصاه أن يصلي عليه، فأقام عنده حتى مات، فأُخرج بجنازته على أهل البصرة فجأة وسمعوا بموته، وشهده الخلق، وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك، وكان رجلاً صالحاً رضيه سفيان لنفسه، ونزل في حفرته ونزل معه خالد بن الحارث وغيرهما، ودفنوه، ثم انصرف عبد الرحمن بن عبد الملك والحسن بن عياش إلى الكوفة فأخبرا أهلها بموت سفيان رحمه الله.
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: لما مات سفيان أخرجناه من الليل من أجل السلطان، فحملناه بالليل، فما أنكرنا الليل من النهار -لعل هذا من كثرة الناس- قال: وسمعته يقول في علّته وكان به البطن: ذهب التستر ذهب التستر أي: أنه لما أوشك على الموت وكان به البطن كان يقول: ذهب التستر ذهب التستر.
وقال يحيى القطان: مات في أول سنة 161هـ، وولد سنة 97 هـ.
قال الذهبي: الصحيح موته في شعبان سنة 161 هـ، وكذلك أرّخه الواقدي ووهم خليفة فقال: مات سنة 162 هـ.
وعن ضمرة قال: نظر حماد بن زيد إلى سفيان الثوري مسجى بثوب على السرير فقال: يا سفيان! لست أغبطك اليوم بكثرة الحديث، وإنما أغبطك بعمل صالح قدمت.
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: جاءني جرير بن حازم وحماد بن زيد الغد يوم دفنا سفيان فقالا: أخرج بنا، فخرجت معهما فبينما نحن نمشي قال جرير بن حازم: من كان يبكي على حي لمنزله بكى الغداة على الثوري سفيانا قال: ثم سكت، فظننت أنه كان قد هيأ أبياتاً يقولها فسكت فقال عبد الله بن الصبّاح: أبكي عليه وقد ولى وسؤدده وفضله ناضر كالغصن ريانا فرحمه الله عز وجل رحمة واسعة، وأدخلنا وإياه جنة عالية قطوفها دانية.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.