أدبه وفراره من الشهرة: عن حماد بن زيد قال: ما رأيت رجلاً قط أشد تبسماً في وجوه الرجال من أيوب.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، فمن حق أخيك عليك أن تبتسم في وجهه حتى لو كان عندك مشاكل وعليك ديون، وما ذنب أخيك أن تلقاه بغير الوجه الطلق.
وعن حماد قال: رأيت أيوب لا ينصرف من سوقه إلا معه شيء يحمله لعياله، حتى رأيت قارورة الدهن بيده يحملها - يعني: الطيب - فقلت له في ذلك، فقال: إني سمعت الحسن يقول: إن المؤمن أخذ عن الله عز وجل أدباً حسناً، فإذا أوسع عليه أوسع، وإذا أمسك عليه أمسك.
فالمؤمن إذا أتاه رزق يوسع على أولاده، وإذا أمسك عليه أمسك.
وقال شعبة: قال أيوب: ذُكرت ولا أحب أن أُذكر.
فكان العلماء يفرون من الشهرة ومن الذكر ومن المدح، وكما يقولون: من أحب أن يذكر لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذكر.
فالإنسان الذي يهرب من الذكر والشهرة والمدح هو الذي يذكر ويكون له شأن، أما من يسعى للذكر والشهرة فلا يذكر.
وقال حماد بن زيد: كان لـ أيوب برد أحمر يلبسه إذا أحرم، وكان يعده كفناً، وكنت أمشي معه فيأخذ في طرق، إني لأعجب له كيف يهتدي لها؛ فراراً من الناس أن يقولوا: هذا أيوب.
فكان يفر من أن يراه الناس حتى لا يقولوا: هذا أيوب.
وقال شعبة: ربما ذهبت مع أيوب لحاجة فلا يدعني أمشي معه، ويخرج من هاهنا وهاهنا لكي لا يفطن له.
وكان أيوب إذا دخل السوق ورآه أهل السوق سبحوا وهللوا وكبروا؛ لما يرون عليه على وجهه من أنوار الطاعة والعبادة والإقبال على الله عز وجل.
فالعبد إذا أقبل على الله عز وجل بكليته أقبل الله عز وجل عليه، ومن أقبل الله عز وجل عليه أضاءت ساحاته واستنارت جوانبه، والأولياء إذا رءوا ذكر الله، فهم يذكرون الناس بالله عز وجل برؤيتهم.