عن أبي الفضل القزاز قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: أصلح ما أكون، وإني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي.
وكما قال بعضهم: في خلق امرأتي ودابتي، فالإنسان إذا وجد السيارة تتعطل عليه أو وجد الخادم أو الزوجة يتمردان عليه فليراجع نفسه، فلعله مقصر في حق الله عز وجل.
وعن إسحاق بن إبراهيم قال: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل، كبلتك خطيئتك.
وهذا كما قال بعضهم لما قيل له: لا نستطيع قيام الليل فقال: أبعدتكم الذنوب، أو قيدتكم خطاياكم.
وقال سفيان: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أصبته.
وقال بعضهم: من علامة من غرق في الذنوب ألا ينشرح صدره لقيام الليل وصيام النهار.
وهذا في غير رمضان، فالناس كلهم صائمون في رمضان، فهذا في غير رمضان.
فإذا وجد الإنسان نفسه لا يوفق للقيام والصيام فليعلم أنه قد غرق في الذنوب.
وقال فيض بن إسحاق: سمعت الفضيل بن عياض وسأله عبد الله بن مالك: يا أبا علي! ما الخلاص مما نحن فيه؟ قال: أخبرني من أطاع الله هل تضره معصية أحد؟ قال: لا، قال: فمن يعصي الله هل تنفعه طاعة أحد؟ قال: لا، قال: هو الخلاص إن أردت الخلاص.
وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل يقول: أكذب الناس العائد في ذنبه -يعني: الإنسان يذنب ويتوب ويعود مرة ثانية وهكذا- وأجهل الناس المدل بحسناته، وأعلم الناس بالله أخوفهم منه، لن يكمل عبد حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل يقول: من أحب أن يذكر لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذكر.
يعني: من سعى للشهرة والمدح وذكر الناس لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذكر.
وقال الذهبي: وقيل له: ما الزهد؟ قال: القنوع، قيل: ما الورع؟ قال: اجتناب المحارم، قيل: ما العبادة؟ قال: أداء الفرائض، قيل: ما التواضع؟ قال: أن تخضع للحق، وقال: أشد الورع في اللسان.
قال الذهبي: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعاً في مأكله وملبسه ومعاملته، وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه، فإما أن يتحرى الصدق فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق فينمق حديثه ليمدح على الفصاحة، وإما أن يظهر أحسن ما عنده ليعظم -يعني: يكون عنده أحاديث غرائب مثلاً أو عنده أشياء ليست عند غيره فهو يظهرها؛ حتى يظن أنه عنده علم كثير- وإما أن يسكت في موضع الكلام ليثنى عليه، ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس إلا من الجماعة.
يعني: حضور الجماعة.
وقال الفضيل: يا مسكين! أنت مسيء وترى أنك محسن، وأنت جاهل وترى أنك عالم، وتبخل وترى أنك كريم، وأحمق وترى أنك عاقل، أجلك قصير وأملك طويل.
قال الذهبي: إي والله! صدق.
قال: وأنت ظالم وترى أنك مظلوم، وآكل للحرام وترى أنك متورع، وفاسق وتعتقد أنك عدل، وطالب العلم للدنيا وترى أنك تطلبه لله.
وعن عبد الصمد قال: سمعت الفضيل يقول: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلاً فقل: يا أخي! اعف عنه؛ فإن العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمر الله عز وجل، قل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلاً بمثل وإلا فارجع إلى باب العفو، فإنه باب واسع، فإن من عفا وأصلح فأجره على الله، وصاحب العفو ينام الليل على فراشه وصاحب الانتصار يقلب الأمور.
يعني: يفكر كيف ينتصر، فهذا مما يؤرقه، أما إذا عفا فيسلم صدره.
وكان بعض السلف يقول: تصدقت بعرضي على الناس.
وكما ورد في الحديث: (كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لغلمانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه)، فالإنسان يعود نفسه أن يعفو عمن ظلمه، وأن يسامح من أخطأ عليه؛ لعل الله عز وجل أن يعفو عنه.
وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما يؤمنك أن تكون بارزت الله بعمل مقتك عليه، فأغلق دونك أبواب المغفرة وأنت تضحك؟ كيف ترى أن يكون حالك؟ وعن محمد بن طفيل قال: سمعت فضيل بن عياض يقول: حزن الدنيا يذهب بهم الآخرة، وفرح الدنيا يذهب بحلاوة العبادة.