قط، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، لكن ما اعتقده العقل مصلحة، وإن كان الشرع لم يرد به فأحد الأمرين لازم له: إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر، أو إنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة، لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة، وكثيراً ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون منفعته مرجوحة بالمضرة. انتهى.
قلت: والضابط في تمييز المصلحة المرسلة من البدعة، هو أن المصلحة المرسلة لم يكن المقتضي لفعلها موجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان المقتضي موجودا لها لكن كان هناك مانع يمنع منه، والبدعة بعكس ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم "2/594": فما رآه الناس مصلحة نُظر في السبب المحرج إليه: فإن كان السبب المحرج إليه أمراً حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من غير تفريط منه، فهنا قد يجوز إحداث ما تدعوا الحاجة إليه، وكذلك إن كان المقتضي لفعله قائماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن تركه النبي صلى الله عليه وسلم لمعارض زال بموته، وأما ما لم يَحدُث سبب يحوج إليه أو كان السبب المحوج إليه بعض ذنوب العباد فهنا لا يجوز الإحداث فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً لو كان مصلحة ولم يُفعل أنه ليس بمصلحة.. إلى أن قال: فأما ما كان المقتضي لفعله موجوداً لو كان مصلحة وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله، وإنما أدخله فيه من نُسب إلى