أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة" فقال: يا رسول الله ليس هذا بمنزل، فانهض بالناس نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نُغوِّر ما وراءه إلخ ما قال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد أشرت بالرأي" وعمل برأيه، وهذا يدل على أن محض الفعل لا يفيد أنه قربة. ووجه الدلالة أن الصحابة لا يرون أن كل فعل للنبي صلى الله عليه وسلم عن وحي من الله تعالى، بل منه ما هو مستند إلى وحي كالفعل الذي يظهر فيه قصد القربة، ومنه ما هو مبني على رأي واجتهاد، ولذلك سأل الحباب بن المنذر بجمع من الصحابة عن المنزل الذي نزل النبي صلى الله عليه وسلم هل النزول فيه عن وحي حتى يذعنوا له، أو عن رأي واجتهاد حتى يشاركوه فيه، وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عن رأي واجتهاد، وقد رأوا أن ينزلوا منزلاً آخر هو أنفع منه للحرب، وأقرب للنكاية بالعدو، ولو كان فعل الرسول لا يكون إلا عن وحي ما كان لذلك السؤال وجه، وما صحّ منه موافقتهم وترك الوحي.
5 - إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من القوت التمر والشعير، ومن الفاكهة الرطب والبطيخ والقثاء، وكان يلبس وهو بالمدينة من نسيج اليمن، فهل إذا وُجِد الرجل ببلد آخر، ورأى قوتهم البر والذرة، وفاكهتهم الرمان والعنب، وملابسهم غير ملابس اليمنيين، أيندب له شرعاً أن يبحث عن قوت غير القوت، وفاكهة غير الفاكهة، وأن يطلب ملبساً من نسيج اليمن؟ وكيف يلتئم هذا، وقول الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ