يبين النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الناس ممن امتهنوا مهنة يغلب عليهم في مزاولتها الكذب، فكانوا بسبب الكذب فجاراً، قال عليه الصلاة والسلام: (التجار هم الفجار) أي: التجار الذين يمارسون عمليات البيع والشراء هم الفجار، وهي هنا على التغليب ليس على الإجمال أو الكلية، لأن هناك من التجار من يخاف الله ويؤمن به، ولكن الغالب دائماً أن يكون التاجر عنده نوع من الفجور: (قيل له: يا رسول الله! أليس الله قد أحل لهم البيع؟ قال: نعم.
ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون) وهذا واقع عند الناس، فقليل من التجار من يصدق في تجارته، قليل جداً، فإذا قلت له: ما نوع هذه السلعة؟ يقول إنها سلعة أصلية، وهو يعرف أنها ليست بأصلية، فتجده يقول: هذه ممتازة جداً أو أصلية؛ لأنه لو قال لك: لا أدري، لدخل في نفسك شك، وهذا كذب، فيقول: لا أدري، وهو يدري أنها تقليد، لأنه لو قال لك: تقليد، لتركته وذهبت لآخر غيره، فهو من أجل أن ينفق سلعته يخدعك بقوله: أصلي ليس هناك أحسن منها مجربة وعلى مسئوليتي وعهدتي الناس لا يأخذون إلا منها، وهذا أحسن ما في السوق؛ من أجل أن ينفق سلعته.
(التجار هم الفجار، قيل: يا رسول الله! أليس الله قد أباح لهم البيع؟ قال: نعم، ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون) فيقعون في جريمتين: الحلف الذي ينفق السلعة -لأنه إذا حلف للإنسان اقتنع- والكذب الذي يجعل الناس يقتنعون بصحة معلومات مقدمة لهم عن هذه السلعة، والحديث رواه الإمام أحمد، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، ورواه أيضاً الإمام البيهقي، والحديث صحيح.
فالذي لديه تجارة عليه أن يراجع نفسه في كيفية معاملته للناس، حتى لا يكون من أهل هذه الطائفة، ليس هناك داعٍ للكذب، حتى لو كنت تاجرَ خُضْرةٍ، أو أي نوع آخر من أنواع التجارة، بل يجب عليك أن تكون دائماً صادقاً.
إلا من صدق وبيّن، فالصادق في الكلام والمبيّن للعيب إن كان في السلعة عيب يقول: السلعة هذه بخمسة وثلاثين ريالاً -أصلي أم لا؟ - يقول: ماركتها تايوان، وهذه ماركتها ليست (ياباني) ولا (إنجليزي) ولا (أمريكي) ونوعها كذا.
فإذا سألته: هل في السوق أحسن منها؟ قال: نعم.
في السوق أفضل منها، لكن لكل شيء ثمن، هذه بخمسة وثلاثين ريالاً، لكن التي في السوق تجدها بستين أو بسبعين ريالاً، فالصادق يعطي الحقيقة ولا يكذب، فإن الكذب وإن أنفق السلعة إلا أنه يمحق البركة.