في هذه الليلة -أيها الإخوة الكرام- نختم أسباب عذاب القبر -أجارنا الله وإياكم منها- نختمها بالحديث عن السبب السابع الذي يُعذب أصحاب القبور بسببه إذا هم وقعوا فيه، خصوصاً أصحاب الثراء؛ لأن الفقير ليس عنده إمكانية أنه يرابي، لكن يقع في هذا السبب أصحاب الأموال الذين أكرمهم الله بالمال، وأحسن إليهم بالغنى، وجعل أيديهم العليا، وجعل الناس ينظرون إليهم ولا ينظرون هم إلى الناس، وكان الأولى بهم والأجدر أن يشكروا الله على هذه النعمة، كما قال قوم قارون لـ قارون: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:77] .
وهؤلاء أصحاب الأموال العريضة والطويلة الأجدر بهم والأولى والأفضل لهم والأصلح في حقهم في الدنيا والآخرة ما دام أن الله قد منحهم المال وأحسن إليهم بالرزق أن يحسنوا إلى أنفسهم بصرف هذا المال في طاعة الله عز وجل وعدم مبارزة الله ومحاربته بهذا المال، فإن المرابي محارب لله ولرسوله، كل صاحب معصية لم يأذن الله بحربه كما أذن على صاحب الربا، قال عز وجل: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] أشعل الله الحرب بينه وبين المرابي، وأطلق الفتيل، وأعلمهم بأنه محاربهم، وفي الحقيقة لا مقدرة لهم ولا قوة ولا شأن لهم بالله عز وجل؛ لأن الله يقول: {والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21] .
الربا موبقة ومهلكة ومعضلة خطيرة، وقع فيها كثير من الناس في هذا الزمان، زمن الانفتاح المادي، وزمن كثرة الخير، وانتشار الفضل، وعموم الرزق من الرزاق واهب الفضل ذي الجلال والإكرام، فوقع كثير منهم إما بالجهل، أو بعدم المبالاة، أو بالرغبة في الإثراء وفي تعدد وتكثير المال ولو عن طريق الحرام، وقعوا في هذه الجريمة المنكرة التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات -أي: من المهلكات- بل هي من أكبر الكبائر.
هذه الجريمة الخطيرة حرمت لأسباب ولأشياء ودواعي تواجدها في المجتمعات الإسلامية، وتسببها على الإنسان المرابي في الدنيا والآخرة.