أيها الإخوة في الله! القلوب فرحة، وهي تأمل المزيد من الله عز وجل من رحمته وغيثه، المطر ينزل في هذه اللحظات، والغيث يهمل والقلوب تأمل، والله يقول: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] .
وقد سمّى الله المطر أو الغيث رحمة؛ لأنه دليل رضوان من الله عز وجل، وأحياناً يأتي دليل عذاب وعقوبة من الله عز وجل، إذا غضب ربنا تبارك وتعالى حينما تنتهك حرماته ولا يستجاب لأمره، فهو يعذب بالمطر إما بالإنزال وإما بالمنع، فيمنعه فيموت الناس، أو ينزله فيموت الناس، ينزله حتى يغرقهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:40] ويمنعه حتى يموتون جوعاً وعطشاً، ولكن بالمقادير التي يحتاجها الناس يكون رحمة، أن ينزل الله المطر على الناس بالمقدار الذي يريدونه؛ لأن تحديد نسبة نزول المطر لا يملكها أحد على وجه الأرض: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى:27] .
فإذا جاء الغيث على المقدار الذي يحتاجه الإنسان، من غير تدمير ولا تخريب، ولا كوارث، ولا فيضانات، ولا إهلاك، كان هذا دليل رحمة من الله عز وجل، قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28] .
أما إذا جاء المطر كثيراً غزيراً مغرقاً مدمراً، فهو دليل عذاب من الله، ينبغي على هؤلاء الذين ينزل عليهم هذا الشيء أن يراجعوا حساباتهم مع الله، وأن يصححوا وضعهم قبل أن يكون المطر الذي نزل ناراً وعذاباً وحجارة من السماء -والعياذ بالله- فالمطر ينزل في هذه اللحظات وهذه الدقائق المباركة، ونحن نأمل من الله تبارك وتعالى أن يكون سقيا رحمة لا سقيا عذاب، وأن يعطينا بقدر ما نحتاج فإنه أعلم بحاجاتنا تبارك وتعالى.
والله يا إخوان! القلوب تتألم كثيراً حينما نسمع الرعد ونرى البرق ونرى السماء ملبدة بالغيوم ثم ينزل من المطر قطرات وبعد ذلك يذهب، على ماذا يدل هذا؟ المفروض أن الإنسان العاقل يتأمل، كأنه يرينا تبارك وتعالى آثار رحمته ثم يبعدها منا من أجل أن نطلبه، وأن نتوب إليه، وأن نستغفره، وأن نلح عليه، وأن نراجع حساباتنا فيعطينا، وإلا فماذا؟ هذه عملية ترغيب وتشويق، أنت ترى محتاجاً وتعطيه شيئاً ثم تمنعه، من أجل أن يلح عليك، يقول: أعطني، زدني بارك الله فيك، فنحن نطلب من الله الذي لا إله إلا هو أن يسقينا وأن يسقي جميع المسلمين، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا وغيث المطر في بلادنا وأوطاننا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأدر لنا به الضرع، وأنبت لنا به الزرع، واجعلنا فيه من السعداء في الدنيا والآخرة يا رب العالمين!