[ثالثًا تغسيل الميت]

ثالثًا: تغسيل الميت: ومن أحكام الجنازة وجوب تغسيل الميت على من علم به وأمكنه تغسيله؛ قال صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: " «اغسلوه بماء وسدر. . .» الحديث (?) متفق عليه، وقد تواتر تغسيل الميت في الإسلام قولًا وعملًا (?) وغُسِّلَ النبي صلى الله عليه وسلم (?) وهو الطّاهر المطهَّر، فكيف بمن سواه؟ فتغسيل الميت فرض كفاية على من علم بحاله من المسلمين.

والرجل يُغسِّله الرجل، والأولى والأفضلُ أن يُختار لتغسيل الميت ثقةٌ عارف بأحكام التغسيل؛ لأنه حكم شرعي له صفة مخصوصة، لا يتمكن من تطبيقها إلا عالم بها على الوجه الشرعي.

ويقدَّم في تولي تغسيل الميت وصيه، فإذا كان الميتُ قد أوصى أن يغسله شخص معيَّن، وهذا المعيَّن عدل ثقة، فإنه يقدم في تولي تغسيله وصيه بذلك؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه: أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس (?) ؛ فالمرأة يجوز أن تُغسِّل زوجها، كما أن الرجل يجوزُ أن يغسل زوجته، وأوصى أنس رضي الله عنه: أن يغسله محمد بن سيرين.

ثم يلي الوصي في تغسيل الميت أبو الميت: فهو أولى بتغسيل ابنه؛ لاختصاصه بالحنو والشفقة على ابنه.

ثم جده؛ لمشاركته للأب في المعنى المذكور.

ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم الأجنبيَّ منه.

وهذا الترتيب في الأولوية إذا كانوا كلهم يحسنون التغسيل وطالبوا به، وإلا فإنه يقدم العالم بأحكام التغسيل على من لا علم له.

والمرأة تغسِّلها النِّساء، والأولى بتغسيل المرأة الميتة وصيتُها، فإن كانت أوصت أن تغسلها امرأة معينة، قدمت على غيرها إذا كان فيها صلاحية لذلك، ثم بعدها تتولى تغسيلها القربى فالقربى من نسائها.

فالمرأة يتولى تغسيلها النساء على هذا الترتيب، والرجل يتولى تغسيله الرجال على ما سبق.

ولكل واحد من الزوجين تغسيل صاحبه: فالرجل له أن يغسل زوجته، والمرأة لها أن تغسل زوجها؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله زوجته، ولأن عليًّا رضي الله عنه غسَّل فاطمة (?) وورد مثل ذلك عن غيرهما من الصحابة (?) .

ولكلٍّ من الرجال والنساء غسل من له دون سبع سنين ذكرًا كان أو أنثى، قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على: أن المرأة تغسل الصبي الصغير) (?) . أهـ، ولأنه لا عورة له في الحياة، فكذا بعد الموت، ولأن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم غسَّله النساء.

وليس لامرأة غسل ابن سبع سنين فأكثر، ولا لرجل غسل ابنة سبع سنين فأكثر.

ولا يجوز لمسلم أن يغسِّل كافرًا أو يحمل جنازته، أو يكفنه أو يصلي عليه أو يتبع جنازته؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [الممتحنة: 13] فالآية الكريمة تدل بعمومها على تحريم تغْسِيله وحمله واتباع جنازته.

وقال تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} [التوبة: 84] وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] ولا يدفنه، لكن إذا لم يوجد من يدفنه من الكفار، فإن المسلم يواريه، بأن يلقيه في حفرة، منعًا للتضرر بجثته، ولإلقاء قتلى بدر في القليب.

وكذا حكم المرتد كتارك الصلاة عمدًا، وصاحب البدعة المكفرة.

وهكذا يجب أن يكون موقف المسلم من الكافر حيًّا وميتًا، موقف التبري والبغضاء.

قال تعالى حكايةً عن خليله إبراهيم والذين معه: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]

وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22]

وذلك لما بين الكفر والإيمان من العداء، ولمعاداة الكفار لله ولرسله ولدينه، فلا تجوز موالاتهم أحياءً ولا أمواتًا.

نسأل الله أن يثبت قلوبنا على الحق، وأن يهدينا صراطه المستقيم.

ويشترط: أن يكون الماء الذي يُغسل به طهورًا مباحًا، والأفضل أن يكون باردًا، إلا عند الحاجة لإزالة وسخٍ على الميت أو في شدة بردٍ، فلا بأس بتسخينه.

ويكون التغسيل في مكان مستور عن الأنظار ومسقوف: من بيت أو خيمة ونحوها إن أمكن.

ويُستَرُ ما بين سُرَّةِ الميت وركبته وجوبًا قبل التغسيل، ثم يجرَّدُ من ثيابه، ويوضع على سرير الغسل منحدرًا نحو رجليه؛ لينصب عنه الماء وما يخرج منه.

ويحضر التغسيل: الغاسل ومن يعينه على الغسل، ويكره لغيرهم حضوره.

ويكون التغسيل: بأن يرفع الغاسل رأس الميت إلى قُربِ جلوسه، ثم يُمِرُّ على بطنه ويعصره برفق؛ ليخرج منه ما هو مستعد للخروج، ويكثر صب الماء حينئذ؛ ليذهب بالخارج، ثم يلف الغاسل على يده خرقة خشنة؛ فَينَجِّيَ الميت، ويُنَقَيَّ المخرج بالماء.

ثم ينوي التغسيل، ويسمي، ويوضئه كوضوء الصلاة، إلا في المضمضة والاستنشاق؛ فيكفي عنهما مسح الغاسل أسنان الميت ومنخريه بأصبعيه مبلولتين أو عليهما خرقة مبلولة بالماء.

ولا يدخل الماء فمه ولا أنفه، ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة سدر أو صابون.

ثم يَغْسِلُ ميامن جسده، وهي: صفحةُ عنقه اليمنى، ثم يده اليمنى وكتفه، ثم شق صدره الأيمن وجنبه الأيمن وفخذه الأيمن وساقه وقدمه الميامن، ثم يقلبه على جنبه الأيسر، فيغسل شق ظهره الأيمن، ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك، ثم يقلبه على جنبه الأيمن، فيغسل شق ظهره الأيسر.

ويستعمل السدر مع الغسل أو الصابون، ويستحب أن يلف على يده خرقة حال التغسيل.

والواجب غسلة واحدة إن حصل الإنقاء، والمستحب ثلاث غسلات، وإن لم يحصل الإنقاء؛ زاد في الغسلات حتى ينقي إلى سبع غسلات، ويستحب أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورًا؛ لأنه يصلب بدن الميت، ويطيبه، ويبرده، فلأجل ذلك، يجعل في الغسلة الأخيرة؛ ليبقى أثره.

ثم يُنشف الميت بثوب ونحوه، ويقص شاربه، وتقلم أظافره إن طالت، ويؤخذ شعرُ إبطيه، ويجعل المأخوذ معه في الكفن، ويضفر شعر رأس المرأة ثلاثة قرون، ويسدل من ورائها.

وأما إذا تعذر غسل الميت لعدم الماء، أو خيف تقطعه بالغسل، كالمجذوم والمحترق، أو كان الميت امرأة مع رجال ليس فيهم زوجها، أو رجلًا مع نساء ليس فيهم زوجته.

فإن الميت في هذه الأحوال يُيَمم بالتراب، بمسح وجهه وكفيه من وراء حائل على يد الماسح.

وإن تعذر غسل بعض الميت، غُسل ما أمكن غسله منه، ويُيمَّم عن الباقي.

ويستحب لمن غسل ميتًا أن يغتسل بعد تغسيله، وليس ذلك بواجب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015