ولمّا استقر الرائش بقصر غمدان بصنعاء أقبل على ابنه أبرهة بن الحارث يوصيه فقال له: يا بني، إنَّ أباك خولك الملك فأقره في محتد أنت أوسط الناس فيه وأولاهم به، وإني لموصيك بزيادة ما نالت يداك من الخيرات تفعله إلى من سمع لك وأطاع، واجعل العدل لك ناصراً وخذ الإحسان لك نجدة، واصطنع العشيرة ليوم ما. وأنشأ يقول:
لويت لك الملك الذي كان حازه ... لأولاده في سالف الدهر حمير
فكن حافظاً للملك بعدي عامراً ... فقد يحفظ الملك الأثيل ويعمر
وعمرانه أنْ تبسط العدل دونه ... وبالعدل تنهي من نهيت وتأمر
وثابر على الإحسان إنك لن ترى ... كريماً به إلاّ يعان وينصر
وقومك واصلهم وحطهم فإنما ... بقومك تعلوا من أردت وتقهر
وقال نشوان:
أو ذو المنار بنى المنار إذا غزا ... ليدله في رجعته ومراح
ألقى بمنقطع العمارة بركه ... في الغرب يدعو لات حين براح
ذو المنار: هو أبرهة بن الحارث الرائش الملك، ويسمى ذا المنار لأنه أوّل من نصب المنار والأعلام والأميال على الطريق ليهتدي بها جيشه عند القفول من غزوهم في رجوعهم، وكان غزوهم إلى منقطع العمارة في المغرب، فملك تلك النواحي، وولى بها