وحذاه باجتهاد واستمر على سيرة من مضى، واستخلف بعده ابنه أنس بن ذي يقدم وقال له:
يا بني إنَّ في وصية آبائك الكفاية لمن علم بها وحفظها، وإني أزيدك معها خصالا لا غنى لك عنها، وقد كانت في تدبيرهم وإنْ لم يذكروها: لا تذكر الظهور فتذهب
هيبتك، ولا تدمن الحجبة فتنسي ويجترئ عليك كثير من كفاتك، وييأس المتظلم من لقائك، فيظهر التشكي ويظن من ليس مثلك أنْ الرعية إذا رضيت به أنه بدل منك، ولا تقبحن مستنصحافيخفى عليك الخلل وتذم وأنت لا تعلم، ويؤتى عليك من حيث لا تشعر. واعلم أنْ نظام الدولة في اتفاق الأهواء على الملك واجتماع الكلمة معه. ولن يقدر على جمع القلوب في صدر واحد إلاّ بخصلة وهي أنْ تصدر من كل قوم رئيسهم فانه سداد من واءه، فعن غضبه يغضبون، وبرضائه يرضون. وأنشأ يقول:
أبا عمرو إذا ما قمت بعدي ... فأمرك بالأقارب والعشير
ولا يفقدك مطلول نصيرا ... ولا تظهر لهم ك الظهور
وإنْ من الحجاب لمّا يغبي ... عليك الجاريات من الأمور
ولا تقبح نذيرا جاء يسعى ... بنصح، فالنذير أخو البشير
وأنْ الناس مثل النحل تأوي ... إلى يعسو بها بعد المطير
وليس رحى يدور بغير قطب ... ولا عيس تقاد بلا جرير
وإنْ العدل مصلح الرعايا ... ومرضاة الصغير مع الكبير