ذلك لكم، وفعله لي ربي وربكم، ما الذي تفعلون؟ قالوا: نعبد إلهك، ونؤمن به، ونتبعك. فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق وتأكد عليهم أشد التأكيد. وكان لثمود عيد في كل سنة يخرجون إليه، يجتمعون، ويأكلون، ويشربون، ويقربن لأصنامهم القربان، فخرجوا وخرج معهم صالح، فلما قضوا ما يحتاجون إليه من عيدهم، وصالح معتزل عنهم قريب من صخرة كانت هنالك، يعبد الله تعالى، فلما كان من الغد، اجتمعوا إلى صالح فتحدثوا ما شاء الله، ثم نظروا إلى صخرة منفردة في قاع أفيق، قالوا: يا صالح، إنا نطلب منك أنْ تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة حمراء عشراء لها ضجيج وعجيج، ورغاء شديد، تفور لبنا سائغا. فإن فعلت لنا ذلك، فعلنا لك فعلنا لك عاهدناك عليه، وإلاّ علمنا
أنك كاذب. وإنما سألوا ذلك الجزاء به، وظنوا أنه لا يفعل، ولا يكون منه ذلك، ولا يقدر عليه. ولم يكن الله ليحقر نبيه، وهو القادر على ما يشاء، فقال لهم صالح: زيدوا أعطوني عهودكم ومواثيقكم على ذلك، فأعطوه ما وثق به، ثم قام صالح، وصلى ما شاء الله، ثم رفع رغبته إلى الله، فدعاه، وتضرع إليه، وهم يدعون أصنامهم أنْ تحول بين صالح وبين ذلك. فبينما هم ينظرون اى صالح ما يفعل له إله، وما تفعل لهم أصنامهم، إذ نظروا اى الصخرة تتحرك وترتعد من خشية الله تعالى، ثم اضطربت، فنظروا إليها تتمخض كما تتمخض المرأة للولد، ثم انصدعت وانفلقت عن ناقة عظيمة، على ما سألوا ووصفوا. إلاّ إنَّ الله عظم خلقها على كل دابة في الأرض. وكانت كأنها طود عظيم، رأسها كأعظم بعير فلما رأى ذلك رئيسهم جندع بن عمرو خرو لله ساجدين، وسجد معهم بشر كثير من عظمائهم، وأقر الله عين نبيهم، وصدق ظنه، وكانت العامو من ثمود عند ذلك قد خشو أنْ يموت تلك الساعة، فهل تسمع لهم خبرا، أو تنظر لهم أثرا؟ ثم أوصيك أنْ تعمل لدنياك بسنة آبائك، فقد انتهى إليك ما ك من وصية آبائك ووصية جدك سبأ بن يشجب، وما افترق عليه أبناؤه يوم الوصية والقسمة، وهما جداك حمير وكهلان، فلا تجرين الأمور إلاّ على ما جرت به الرسوم من عصرهما ذلك إلى هذه الغاية، ووصى بذلك من صلى بذلك الأمر من ولدك أو بني عمك. وأوصيك بالاستقامة على ما وجدتني من العدل والرعية والتجاوز عن المسيء، والكف عن أذى العشيرة، والتحفظ بها، والتحب إليها، فما المرء بقومه ولو عز وعلا، ثم أنشأ يقول:
عريب لا تنسى ما وصى أبوك به ... إنْ الوصية لمّا يعدها الرشد
كل امرى عزه فاعلم عشيرته ... وفي العشيرة العز والعدد
أما رأيت ثمودا أمس كيف لقوا ... سوء النكال وعادا قبلها انجردوا
من بعد ما ملؤوا سهل البلاد فلم ... ينفعهم عدد منهم ولا جلد
ولمّا اعتعزل نبت عن العمل في ولاية زهير، ونصب ابنه الغوث، أقبل عليه وكان كاملا في أحواله من الشجاعة، والفطن، والرأي الثاقب، فقال يرثي أيمن الهميسع - ويوصيه:
قضى نحبه بعد الهميس أيمن ... وأيمن فاعلم خبر حي وهالك
وكل امرئ لا شك يقضي قضاءه ... ويسقي بحوض المنهل المتدارك