نقل هَذَا كُله الشَّيْخ صَالح بن أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابه تحكيم النَّاظر1 وَكَانَ شرح العقائد عِنْدِي فِي يَوْم من الْأَيَّام وَكنت قد درسته على يَد بعض الْمَشَايِخ بباكستان ثمَّ أحرقته فِيمَا بعد وَلَو كنت تركته لنقلت مِنْهُ نصوصا كَثِيرَة.
قلت: هَذَا نَص كَلَام الْعَلامَة التفازاني شَارِح العقيدة النسفية وَهُوَ يعْتَرف اعترافا لَا يشوبه أدنى شكّ بِأَن هَذِه العقيدة الخلفية أوجدها عُلَمَاء الْخلف لكَي يناظروا بهَا من كَانَ يرفض الْأَدِلَّة النقلية من الْخلف وَلذَلِك نقل عَن الْمُتَأَخِّرين الَّذين أوجدوا هَذِه العقيدة الخلفية العلمية حسب زعمهم: (أَن عقيدة الْخلف أسلم وعقيدتنا أعلم وَأحكم) كَمَا نَقله عَنْهُم شَارِح العقيدة الطحاوية حَيْثُ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى:
"نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُوتِيَ فواتح الْكَلم وخواتمه وجوامعه، فَبعث بالعلوم الْكُلية والعلوم الأولية والأخروية على أتم الْوُجُوه، وَلَكِن كلما ابتدع شخص بِدعَة اتسعوا فِي جوابها لذَلِك صَار كَلَام الْمُتَأَخِّرين كثيرا، قَلِيل الْبركَة بِخِلَاف كَلَام الْمُتَقَدِّمين فَإِنَّهُ قَلِيل كثير الْبركَة، لَا كَمَا يَقُول ضلال الْمُتَكَلِّمين وجهلتهم: إِن طَريقَة الْقَوْم أسلم وَإِن طريقتنا أحكم وَأعلم2" انْتهى
وَهَكَذَا نقل عَنْهُم الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَحْمد السفاريني النابلسي الْمُتَوفَّى سنة 1188 هجري فِي شَرحه (لوامع الْأَنْوَار البهية وسواطع الْأَسْرَار الأثرية) على منظومته الَّتِي سَمَّاهَا: (الدرة المضية فِي عقيدة أهل الْفرْقَة النَّاجِية) إِذْ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى:
"مَذْهَب السّلف هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور وَالْحق الثَّابِت الْمَأْثُور وَأَهله هم الْفرْقَة النَّاجِية والطائفة المرحومة الَّتِي هِيَ بِكُل خير فائزة وَلكُل مكرمَة راجية من الشَّفَاعَة والورود على الْحَوْض ورؤية الْحق وَغير ذَلِك من سَلامَة الصُّدُور وَالْإِيمَان بِالْقدرِ وَالتَّسْلِيم لما جَاءَت بِهِ النُّصُوص فَمن الْمحَال أَن يكون المخالفون أعلم من السالفين كَمَا يَقُوله بعض من لَا تَحْقِيق لَدَيْهِ مِمَّن لَا يقدر السّلف وَلَا عرف الله تَعَالَى وَلَا رَسُوله وَلَا الْمُؤمنِينَ بِهِ حق الْمعرفَة الْمَأْمُور بهَا، من (أَن طَريقَة السّلف أسلم وَطَرِيقَة الْخلف أعلم وَأحكم) وَهَؤُلَاء إِنَّمَا أَتَوا من حَيْثُ طنوا أَن طَريقَة السّلف هِيَ مُجَرّد اسْتِخْرَاج مَعَاني النُّصُوص الْمَعْرُوفَة عَن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللُّغَات فذها الظَّن الْفَاسِد أوجب تِلْكَ الْمقَالة الَّتِي مضمونها نبذ الْإِسْلَام وَرَاء الظُّهُور.