والخطيب الإمام أبو بكر البغدادي يكثر منه ويلهج به في تصانيفه، وهو أن يروي عن شيخ تتأخر وفاته، أو يشركه فيه غيره، أو يكثر هو عنه فيريد أن يوهم أنه غيره، فيصفه بصفات مختلفة قصد الإغراب، كلها صادق فتارة يكنيه، وتارة يسميه وتارة ينسبه إلى أحد أجداده أو إلى موضع ينزله أو إلى موضع التحديث إلى غير ذلك فيوهم كثرة المشائخ.
وهذا وإن كان صدقا في نفس الأمر، ففيه توعير لمعرفته، وقد يؤدي إلى تضييعه جملة أو إلى أن يكون متشبعا بما لم يملك عند قصد إيهامه كثرة المشائخ، فان فعل ذلك لكونه غير ثقة فهذا قبيح مذموم، وليس من التجميل في شيء، لما فيه من عدم النصح وإظهار الباطل في صورة الحق.
قال شيخنا الإمام الأوحد أبو الفتح محمد بن عَلِيِّ بْنِ وهب القشيري، أبقاه الله، وللتدليس مفسدة، وفيه مصلحة، أما مفسدته فإنه قد يخفى ويصير الراوي مجهولا، فيسقط العمل بالحديث لكون الراوي مجهولا عند السامع مع كونه عدلا معروفا في نفس الأمر، وهذه جناية عظمى ومفسدة كبرى، فأما مصلحته فامتحان الأذهان في استخراج التدليسات والقاء ذلك إلى من يراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال، ووراء ذلك مفسدة أخرى يراعيها أرباب الصلاح والقلوب، وهو ما في التدليس من التزين، وتنبه لذلك ياقوته العلماء المعافي بن عمران الموصلي، وكان من أكابر العلماء والصلحاء.
انتهى مقال شيخنا أبي الفتح فلنرجع إلى بيان هذا الشيخ الذي وعره أبو صادق فأقول، هو العفيف أَبُو الْحَسَنِ مرتضى بن العفيف أبي الجود حاتم بن مسلم بن أبي العرب الحارثي الشافعي المقري المقدسي الشارعي المصري الأندلسي، لأنه