رأيت كأن أبا حنيفة ينبش قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسالت عن ذلك ابن سيرين ولم أخبره من الرجل، فقال: هذا رجل يحيى سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أبو عمر، وحدثنا حكم بن منذر بن سعيد، قَالَ: نا أبو يعقوب يوسف بن أَحْمَدَ، قَالَ: نا محمد بن عَلِيٍّ السمناني، قَالَ، نا أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ العباس بن يزيد، قَالَ: نا القاسم بن عباد، قَالَ، نا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، قَالَ: قَالَ أبو يوسف: كنا تختلف في المسألة فنأتي أبا حنيفة، فكأنما يخرجها من كمه فيدفعها إلينا.
قلت: هذا من تأويل رؤياه الصادقة ونحو من هذه الرؤيا ما أخبرنا به الشيخ الأديب الحسيب اللغوي أبو محمد القاسم بن مُحَمَّدٍ الهوزني الإشبيلي بغرناطة قدمها علينا من إفريقية، وكان مجزلا حظه من تعبير الرؤيا، يأتي من ذلك بدقائق وفرائد وعجائب، ولم يكن تمكنه في العلم بذاك فقلت له: من أين لك هذا؟ فقال لي: كنت رأيت بإشبيلية وأنا صبي صغير بحيث أحمل على عنق الغلام كأني فيما يرى النائم عند روضة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأيت في جانبها طاقا أتقاصر عن إدراكه والناس يتواردون عليه فيدخلون أيديهم في ذلك الطاق ويخرجون لقما يلتقمونها فرمت ذلك فلم تدركه يدي، فأخذت قصبة وجعلت أبل أسفلها بريقي وأدليها من ذلك الطاق ثم أخرجها فأجد في أسفلها ترابا قد علق بها، فالتعلقه ثم أعيد تلك القصبة، فعلت ذلك الفعل مرات، واستيقظت وقد وعيت الرؤيا فقصصتها على أبي فقال: هل أعلمت أمك ذلك؟ قلت: لا، قَالَ: واستدعى غلاما لنا فحملني على عنقه مع أبي رَحِمَهُ اللَّهُ، إلى المعبر المشهور بإشبيلية المعروف بالحنتمي، وكان يأتي في التعبير بأمور يعجز عن إدراك فهمها ذوو الأفهام الثاقبة، فقصصتها عليه فقال: يا بني، التراب تراث، وهذا القدر الذي نلت من تراثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزر يسير، وأرى ذلك أنك تؤتي حظا من علم التعبير، فصدق