وكان نزولنا على اليمن والبركة بظاهر طيبة شرفها الله وقت الضحاء من يوم الأحد الثالث والعشرين لذي قعدة، فأخذ الناس منازلهم واغتسلوا، وتجملوا للقدوم على الضريح الطاهر، فلله ذاك اليوم ما أعظمه وأسعده وأكرمه، أعزز به من عيد سعيد فاق كل عيد، فهو خير أيام العمر، وأسعد أوقات الدهر، وتاريخ مولد السعادة، ومفتاح الحسنى والزيادة.
ثم دخلنا المدينة شرفها الله للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ملأ السرور قلوبنا وملك التوقير جوارحنا، واستعملنا سنة السلام وحييناه صلى الله عليه وسلم بتحية الإجلال والإعظام، ووقفنا حيث حده العلماء من ضريحه الكريم، المخصوص بالتشريف والتعظيم، وقضينا المستطاع من أدب التحية وكادت تغلب الوقار الأريحية ولله در شيخنا الأديب الصوفي أبي يعقوب يوسف بن أبي الحسن على البكري المهدوي عرف بابن السماط حيث يقول، وهو أيضًا قائل البيت الذي تمثلت به آنفا:
وإذا أسأت تأدبي بحماكم ... عفوا، فإني غبت عن معقولي
من ذا يرى حرم الحبيب فيهتدي ... لتميز المعلوم والمجهول
ولي من كلمة في نحو هذا:
وإن أضع أدبا فالصفح ملتمس ... إني بقلب من الإعظام ملآن
من ذا يرى ربع محبوب فيصبر عن ... لثم وتعفير خد فعل ولهان
ثم قضينا حق السلام على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق، ثانيه في الغار والعريش والطريق، ثم على أمير المؤمنين الفاروق ثالثهما في المدفن الكريم المقدس، وتالي أبي بكر في المكانة، الذي اختصه بحمل أعباء الخلافة بعده