العربي يقول: سمعت محمد بن عبد الملك بن الصوفي، يقول: خرجت مع أبي الفضل بن الجوهري، رَحِمَهُ اللَّهُ مشيعين لقافلة الحاج ومودعين لها، فبتنا معها فلما أصبحنا أثيرت الجمال، وزمت الرحال، فذهبنا معهم إلى موضع يعرف يجب عميرة، فأخذنا في التوديع، والتفت إلى فتى حسن الوجه شاحب اللون وهو يتتبع الرواحل راحلة بعد راحلة ويتردد حتى مشى الحاج عن آخرهم، وكان يقول في أثناء تردده:
أحجاج بيت الله في أي هودج ... وفي أي خدر من خدوركم قلبي؟
أأبقى رهين الشوق في أرض غربة ... وحاديكم يحدو بقلبي مع الركب؟
فوا أسفي لم أقض منكم لبانتي ... ولم أتمتع بالجوار وبالقرب؟
وفرق بيني بالرحيل وبينكم ... فها أنا ذا أقضي على إثركم نحبي
يقولون: هذا آخر العهد منكم ... فقلت وهذا آخر العهد من قلبي
فلما لم يبق من الحاج أثر وانقطع رجاؤه جعل يخطر هائما وينشد ورمى بنفسه إلى الأرض: