ورحلنا من العلى غدوة يوم الأحد السادس عشر من ذي قعدة، وقد تضاعف الشوق وبرح الوجد، فسرنا على اسم الله تعالى منزلا منزلا إلى أن بلغنا وادي القرى، وأكثره خراب، فتجاوزناه والأرواح تكاد تفارق الأجساد شوقا إلى طيبة.
وفي عشي يوم السبت الثاني والعشرين تلقانا قريب العصر أهل المدينة على ساكنها الصلاة والسلام، مبشرين بالوصول إلى حضرة المصطفى الرسول صلى الله عليه وسلم، وجالبين من تمر المدينة ما يتحفون به القادمين ملتمسين رفدهم، وقد صنعوا عصيا في أطرافها أوعية صغار، فيجعلون فيها شيئا من التمر ويناولونه أهل القباب المسترة من بين ستورها، فيعطي كل أحد ما تيسر له من الرفد، ويدفعون إلى الركبان والمشيان أيضًا من ذلك على حكم التحفة والهدية، فيحسن كل على قدر وجده، ويقسمه الناس بينهم متبركين مستبشرين، ولقد رأيتهم يحنكون به الأطفال الصغار التماسا للبركة، وحق لهم ذلك.
وأصاب الناس عند الغروب مطر شديد لم يمكن معه تمادي المسير ولا ارتياد المنزل، فنزلوا في جوانب الوادي وتضايق حتى نزلوا بطنه، وكان هذا المنزل بمقربة من الموضع الذي يسمونه عيون حمزة، وتمادى المطر حتى طفيت النيران الظاهرة، والتهبت النيران الباطنة، وعصم الله من طروق السيل في تلك الساعة.
ولقد صلينا العشاء الآخرة في تلك الليلة، والماء على وجه الأرض يغلب