ذلك إقرارًا لحق الفرد في الإجارة -كما أشرنا من قبل- ويصبح هذا الفرد واجب الحماية منهم جميعًا، فقد أصبح لهم جارًا، وحينئذ يتحاشى الناس الإساءة إليه حرمة لعصيبة مجيره، وقد كانت العرب تطلب بثأر الجار كما تطلب بثأر الصريح من أبنائها، وتقيد من القاتل حتى ولو كان من صرحائها، بل كانت تقاتل رعاية لحق الجار وحفاظًا على كرامته؛ وقد قتل كليب سيد ربيعة نتيجة لاعتدائه على حرمة الجوار، بأن قتل ناقة للبسوس جارة جساس بن مرة البكري1؛ وذلك لأنهم كانوا يرون في ذمة الجوار أمرًا خطيرًا فيه كرامتهم، بل وحياتهم ومماتهم2.
وكما يحمي المجير جاره مادام في كنفه. فإن على الجار أن يلتزم حدود اللياقة في تصرفه فلا يسيء إلى سمعة القبيلة التي أجارته.
ورابطة الجوار رابطة مؤقتة وليست دائمة، فهي تحل نتيجة لخروج الجار من أرض القبيلة التي يحتمي بها، أو حين يرد المستجير على صاحبه جواره، ويبرئ له ذمته على ملأ من الناس، وعندئذ لا يتحمل المجير تبعات ما يقع عليه من اعتداء3، أو إذا ارتكب الجار أمرًا مشينًا لسمعة القبيلة أو اعتدى على حرماتها4. فإذا أرادوا إلغاء الجوار أجلوا الجار ثلاثة أيام يخرج فيها من أرض القبيلة5، وقد ورد في القرآن الكريم آيات ذكر فيها الجوار بمفهومه عند العرب، وهو حماية الجار وإبلاغ المستجير مأمنه ومنع الاعتداء عليه6.
فالجار إذن ليس من صلب القبيلة، وقد حدد العرف على النحو الذي بيناه حالات الجوار والمراسم التي تنظم قيام هذه العلاقة، وما يترتب عليها من التزامات بالنسبة للمجير والجار، وكيف تنتهي هذه العلاقة.