أقدارهم؛ فلا يجيرون إلا إذا كانوا قادرين، فإنهم يعلمون أنه قد يجر إلى إثقال كاهل القبيلة بمسئوليات ضخمة منها فقد المال والعرض والحياة1. كما أن العرب الأحرار في القبيلة كانوا يستطيعون الانتقال من قبائلهم إلى قبائل أخرى يجاورونها، بخلاف الرقيق الذي كان مملوكًا ليس له حرية التصرف في نفسه.

وإزاء تلك الحقوق التي يتمتع بها الحر، فإن عليه أن يتضامن مع قبليته، ويعمل من أجلها، ولا يتصرف إلا في حدود النطاق الجماعي الذي يحفظ عليها وحدتها، فلا يخرج على إجماعها، ولا يحملها ما لا تطيق، وعليه من أجل ذلك أن يرفع من إحساسه بالرابطة الجماعية وأن يهدر في سبيلها كل نزعة فردية أو انفصالية من نفسه؛ فهو يضحي لها بنفسه كما يضحي بماله فهي حياته وكيانه، وهو مع اعتزازه بشخصيته وحريته، يعيش لها وتحت إطارها2، وخير مايصور ذلك قول دريد بن الصمة3:

وهل أنا إلا من غزية، إن غوت ... غويت؛ وإن ترشد غزية أرشد

فإذا حدث لسبب من الأسباب أن تصرف في انفصالية فردية خارج ذلك النطاق الجماعي، أو سلك سلوكًا معيبًا من شأنه أن يسيء إلى سمعة القبيلة بين القبائل، كان من حق القبيلة أن تتحلل من العقد الاجتماعي القائم بينه وبينها، فتهدر حقوقه عليها وتتخلي عن حمايته ونصرته، فتطرده من حماها، وتعلن بين القبائل أنها خلعته، أو بعبارة أخرى سحبت منه الجنسية القبلية -كما نقول بتعبيرنا الحديث- فلم تعد مسئولة عنه ولا سائلة أيضًا. وكان إعلان الخلع أمرًا خطيرًا بالنسبة للأفراد؛ فإن الخليع يخرج من حمى قبيلته ليجد نفسه في موقف ضيق ووضع شاذ، فلقد سحبت منه الجنسية القبلية وأصبح فردًا منفصلًا عن قبيلته في مجتمع لا يؤمن بالانفصالية الفردية. وفرص الحياة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015