أول شيء قام به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد استقراره في يثرب هو ضمان معيشة المهاجرين، وهم جماعة تجار، تركوا أموالهم في مكة، ولا أمل لهم في استردادها. وقد اعتمد النبي على حسن نية المسلمين من أهل يثرب -الذين عُرِفُوا بالأنصار- وقد أظهر هؤلاء روحًا عالية من المروءة والكرم، فأعطوا المهاجرين شيئًا من المال وسمحوا لهم بالتجارة1، كما عمل بعض المهاجرين في مزارع الأنصار مزارعة2، واستطاعوا بذلك أن ينظِّموا أمر معاشهم ولو على نحو ضئيل.
ثم رأى من أول الأمر أن يتخذ مكانًا يكون بمنزلة نادٍ عام للجماعة الإسلامية، تقيم فيه شعائرها الدينية، وفي الوقت نفسه تبحث فيه شئونها العامة، فقام ببناء المسجد بعد أن استقر في المدينة بقليل3، فكان هذا المسجد هو المقر الذي اتخذته الرياسة الجديدة، وفيه كانت تُبْرَم كل الأمور، وفيه كان الاتصال بين المسلمين للتشاور في شئونهم العامة من سِلْمِ وحرب واستقبال وفود، وما إلى ذلك.