كانت الحرفة الرئيسية لسكان يثرب هي الزراعة نظرًا لطبيعة المنطقة، فقد كانت أرضها بركانية التربة خصبة، وكانت تسيل بها وديان كثيرة تفيض بمياه السيول التي تتجمع في الحرات الشرقية والجنوبية في فترة مختلفة من السنة1، فتسيل إلى الغرب والشمال، حتى تتجمع آخر الأمر في شمال غرب المدينة عند مجتمع الأسيال حيث تنصب في وادي إضم الذي يسيل شمال غربي أحد2، وهذه الوديان كانت تتخلل منطقة المدينة كلها، فتروي أرضها وتسيل مياهها من شراج الحرة الشرقية في مياه قليلة عادة لا تصل إلى أكثر من ارتفاع الكعبين؛ ولكنها كانت أحيانًا تفيض حتى تصل إلى أنصاف النخل3، وكان الزراع يسقون نخيلهم وزروعهم من هذه المياه، فيسوقون الماء بينهم، بأن يحبس الماء صاحب الأرض العالية حتى تسقي نخله فتصل إلى جذوره بارتفاع الكعبين، ثم يرسلها إلى من هو أسفل منه فيسقي4. وفي الأوقات التي تشح فيها مياه الوديان أو تنقطع، وفي الأماكن التي لم تكن تصل إليها، كان الناس يستخدمون مياه الآبار في إرواء مزروعاتهم فيرفعونها من الآبار لري الأراضي القريبة من البئر، أو يحملونها على الجمال النواضح لري الجهات التي تبعد عنها5.
وأهم مزروعات المدينة أشجار النخيل يزرعونها في مغارس كبيرة، وقد يحوطونها فتكون حدائق، وكانت أرض المدينة صالحة لزراعة النخيل حتى ليقال: إن ودّية النخل تثمر بعد عام من زرعها، وعلى إنتاج النخيل كان يعتمد السكان. فكان من