وقد كان اليهود يعتبرون أنفسم شعب الله المختار من بين شعوب الأرض ولا تسمح أنفسهم أن تكون هذه الميزات لشعب آخر ليس منهم1.

ومما يؤيد هذا أنه كان إلى جوار اليهود بالمدينة بطون عربية صغيرة قبل مجيء الأوس والخزرج2، وقد بقيت هذه البطون العربية على أديان آبائها القديمة، ولم تعتنق اليهودية على الرغم من أنها عاشت زمنًا طويلًا مع اليهود وعلى الرغم من أن اليهود كانوا أصحاب الثروة والنفوذ في يثرب.

وعند الهجرة النبوية كان المفهوم العام عند العرب واليهود على السواء أن اليهود إسرائيليون. ويشير السهيلي إلى نقطة جديرة بالاعتبار عند مناقشته لمعنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في مدح مخيرق أحد بني النضير الذي أسلم واشترك في موقعة أحد وقتل فيها: "مخيرق خير يهود". وقال: "مخيرق مسلم" ولا يجوز أن يقال في مسلم هو خير النصارى ولا خير اليهود؛ لأن أفعل من كذا إذا أضيف فهو بعض ما أضيف إليه، فإن قيل: وكيف جاز هذا؟ قلنا: لأنه قال: "خير يهود" ولم يقل خير اليهود، ويهود اسم علم كثمود، يقال: إنهم نسبوا إلى يهوذ بن يعقوب، ثم عربت الذال دالًا، فإذا قلت اليهود بالألف واللام احتمل وجهين: النسب، والدين الذي هو اليهودية، أما النسب فعلى حد قولهم التيم في التيميين، وأما الدين فعلى حد قولك النصارى والمجوس، أعني أنها صفة لا أنها نسب إلى أب. وفي القرآن لفظ ثالث لا يتصور فيه إلا معنى واحد وهو الدين دون النسب، وهو قوله سبحانه {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة] بحذف الياء، ولم يقل كونوا يهود؛ لأنه أراد التهود وهو التدين بدينهم، ولو قال كونوا يهودًا بالتدين لجاز أيضًا على أحد الوجهين المتقدمين، ولو قيل لقوم من العرب كونوا يهود بغير تنوين لكان محالًا؛ لأن تبديل النسب حقيقة محال. وقد قيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015