كان اليهود جاليات كبيرة العدد متعددة الفروع، منتشرة في أماكن كثيرة من منطقة يثرب والطريق المؤدية إلى الشام. وكانت كتل اليهود الكبرى -على ما يبدو- تتركز في يثرب بالذات، حيث كانت فيها ثلاث قبائل ربما بلغ عدد رجالها البالغين أكثر من ألفين وهي قينقاع، والنضير، وقريظة1، وإلى جانبها كانت توجد بطون وعشائر يهودية متفرقة، ذكر السمهودي أنها كانت أكثر من عشرين بطنًا، منها بنو القصيص، وبنو ناغصة، وبنو مريد، وبنو معاوية، وبنو ماسكة، وبنو محمم -محمر- وبنو زعورا، وبنو زيد اللات، وبنو حجر، وبنو ثعلبة، وبنو الشطبية، وبنو عكرمة، وبنو مراية، وبنو عوف، وبنو عدل -بهدل-2.هذا إلى أعداد أخرى من اليهود سكنوا في جهات مختلفة من يثرب.
وقد عاشت قبائل اليهود الثلاثة الكبرى في مساكنها عيشة التكتل والأحياء الخاصة؛ بينما عاشت البطون الصغيرة منتشرة إلى جوارهم أو إلى جوار البطون العربية في ثرب. وقد ابتنى اليهود الحصون والقلاع والقرى المحصنة، وكانت من القوة والمناعة بحيث ظنوا أنها مانعتهم ممن يريدهم، وبحيث ظن العرب ذلك، ومما لا ريب فيه أن هذه الحصون والقلاع والقرى كانت وسيلة لتوطيد مركز اليهود وإقرارًا لهيبتهم في نفوس العرب. كما كانت دليلًا على ما كانوا عليه من قوة وقد ذكر السمهودي أن آطام اليهود في يثرب كانت تسعة وخمسين أطمًا3.