{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران] هذا المعنى؛ كما تلهم أنها نالت قدسية عامة منذ إنشائها. والآيات القرآنية: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج] {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة] تلهم أن هذه المنطقة كانت معروفة، وأن الكعبة ربما قامت على أنقاض معبد قديم1، وأنه ربما جرت عليه أحداث تاريخية وجغرافية غيرت من طبيعة المكان وأهمل هذا المعبد، حتى هيئ لإبراهيم أن يرفع قواعده من جديد. وقد ذكرت المصادر القديمة مكة كما تحدثت عن البيت الذي تعظمه العرب في العربية الغربية. لقد كانت الكعبة منذ القدم -كما هي معروفة في عهد قريش- مثابة للناس جميعًا وأمنًا، لا يمنع أحد من التعبد فيها، فقد كانت قريش تسمح لكل الناس على اختلاف نحلهم بالطواف حولها والتعبد فيها على اعتبار أنها بيت الله2.
فالوثنيون على اختلاف أربابهم، واليهود والنصارى والصابئون كان يمكنهم زيارتها والتعبد فيها، تحكمهم في ذلك حكم القبائل البادية التي وجدت فيها محلًا لعبادة أوثانها في مواسم الحج والإحرام3. ولقد حاولت الدول الكبرى أن تهدم هذا البيت وتحول أنظار العرب عنه فلم تفلح4، وبقيت للكعبة مكانتها وقداستها كما كانت من أقدم عهودها.
والأساس المهم الذي قامت عليه قداسة بيت مكة أن البيت بجملته هو المقصود بالقداسة، غير منظور إلى الأصنام والأوثان التي اشتمل عليها، وربما اشتمل البيت على الصنم أو الوثن تعظمه قبيلة وتزدريه أخرى. فلا ينتقص ذلك من قدر البيت عند المعظمين والمزدرين على السواء. وقد تختلف الدعاوى التي يدعيها كل فريق لصنمه أو