وقد اشتهر كثير من مناطق الحرار بالخصب والنماء، وبكثرة المياه فيها؛ ولا سيما حرار المدينة التي استغلت استغلالًا جيدًا، ومنها خبير فكثرت قراها وكثر سكانها. حتى قيل إنها خير قرى عربية، غير أن ظهور العيون فيها بكثرة، جعلها موطنًا من مواطن الحمى. اشتهر أمرها في الحجاز، حتى قيل حمى خيبر1.
أما من الناحية الهدروجرافية فإن بلاد العرب في الوقت الحاضر في جملة البلاد التي تكاد تنعدم فيها الأنهار والبحيرات، ويندر سقوط الأمطار عليها؛ ولذلك صارت أكثر بقاعها صحراوية قليلة السكان. غير أنها كثيرة الأودية التي تسيل في بعضها المياه عند سقوط الأمطار، وبعضها طويل يسير في اتجاه ميل الأرض. كما أن بعضها الآخر وبخاصة التي تصب في البحر الأحمر قصير عميق المجرى شديد الانحدار، تنحدر فيه السيول بشدة إلى البحر فتضيع فيه، وربما كانت في بعض الأحيان خطرًا يهدد القوافل والمدن والأملاك، ويأتي على الناس بأفدح الخسائر 2.
وليس في شبه جزيرة العرب نهر واحد بالمعنى المعروف من الأنهار 3، وما فيها من جداول غير صالح للملاحة4، فهي إما قصيرة سريعة الجريان شديدة الانحدار، أو ضحلة تجف في بعض المواسم. غير أن العلماء يستنتجون من اتجاه الأودية ومن وجود العاديات والخرائب وآثار السكنى على أطرافها، والترسبات التي تمثل قيعان الأنهار، أن هذه الأودية كانت في الحقيقة أنهارًا في يوم من الأيام، وأن جوانبها كانت مأهولة بالسكان زاخرة بالحياة، ويؤيد هذا الاستنتاج ما ورد في كتب اليونان والرومان من وجود أنهار طويلة في بلاد العرب، فقد ذكر هيرودوت اسم نهر دعاه كورس قال عنه: إنه من الأنهار العظيمة، وإنه يصب في البحر الأريتري 5. ويقصد به البحر الأحمر.