والجدير بالملاحظة أنه لم يذكر الإمام المزي في كتابه " تهذيب الكمال " شَيْئًا لا يليق بمكانة الإمام أبي حنيفة، فلله دَرُّهُ مَا أَدَقَّ نَظَرَهُ! وكيف لا يكون ذلك وقد قال الذهبي في حقه، في " تذكرة الحفاظ " (?): «وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الرِّجَالِ فَهُوَ حَامِلُ لِوَائِهَا، وَالقَائِمُ بِأَعْبَائِهَا، لَمْ تَرَ العُيُونُ مِثْلَهُ».
وقد أثنى الحافظ الذهبي على صنيعه هذا في " تهذيبه " في ترجمة أبي حنيفة، قائلاً: «قُلْتُ: قَدْ أَحْسَنَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجُ حَيْثُ لَمْ يُورِدْ شَيْئًا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّضْعِيفُ». انتهى.
قُلْتُ: بل نقل في " تهذيب الكمال " توثيقه عن إمام الصنعة سيد الحفاظ يحيى بن معين - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، حيث قال: «وَقَال مُحَمَّدُ بْنِ سَعْدٍ العَوْفِي: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِينٍ يَقُولُ: " كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً، لاَ يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُهُ، وَلاَ يُحَدِّثُ بِمَا لاَ يَحْفَظُ ".
وَقََالَ صَالِحُ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِين يَقُولُ: " كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً فِي الحَدِيثِ "، وَقَال أحمد بْن مُحَمَّد بْن القاسم بن محرز، عن يحيى بن مَعِين: " كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لاَ بَأْسَ بِهِ ".
وَقََالَ مَرَّةً: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَلَمْ يُتَّهَمْ بِالكَذِبِ "». انتهى.
هذا، وقد صرح الحافظ المِزِّي في مقدمة " تهذيب الكمال " بقوله: «وما لم يُذْكَرْ إِسْنَادُهُ فيما بيننا وبين قائله، فما كان من ذلك بصيغة