وأحواله في العلم والحفظ والصيانة والإتقان، والاجتهاد في تحصيل العلم والفقه ونشرهما، والصبر على ترك مناصب السلطان، وبذل النفس وإشاعة العلم والعبادة والكرم، وهوان الدنيا عنده وعدم المبالاة بحطام هذه الفانية الزائلة، مع الدين والسلامة وجمع أنواع الخير: أكثر من أن يُحْصَرَ، وأشهر من أَنْ يُشَهَّرَ.
وقد انعقد الإجماع على إمامته وجلالته وَعُلُوِّ مرتبته، وكمال فضيلته، وأقاويل السلف كثيرة مشهورة في الثناء عليه في ورعه وزهده وعبادته، ومجانبته السلطان وإنكاره ولاية القضاء، ووفور علمه وكثرة حديثه، وبراعته في الفقه واتباعه السُنَّةَ، وأخبار إجلال أعيان أئمة زمانه من جميع الأقطار إياه واعترافهم بمزاياه وفيرة مستفيضة، وكل ذلك مُدَوَّنٌ في كتب التواريخ والرجال، لا حاجة لنا بذكرها.
وقد شهد له أئمة النقد وكبار المُحَدِّثِينَ بعنايته بطلب الحديث وارتحاله في ذلك ومعاناته في تحصيله.
قال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي حنيفة في كتاب " سير أعلام النبلاء " (?): «وَعُنِيَ بِطَلَبِ الآثَارِ، وَارْتَحَلَ فِي ذَلِكَ». اهـ.
وقال أيضًا (?): «إِنَّ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ طَلَبَ الحَدِيثَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ فِي سَنَةِ مِائَةٍ وَبَعْدَهَا». اهـ.