وَمِنْهُ عَلَى جِهَةِ التَّأْوِيلِ مِمَّا لاَ يَلْزَمُ المَقُولُ فِيهِ مَا قَالَهُ القَائِلُ فِيهِ، وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالسَّيْفِ تَأْوِيلاً وَاجْتِهَادًا لاَ يَلْزَمُ تَقْلِيدُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ دُونَ بُرْهَانٍ وَحُجَّةٍ تُوجِبُهُ، وَنَحْنُ نُورِدُ فِي هَذَا البَابِ مِنْ قَوْلِ الأَئِمَّةِ الجِلَّةِ الثِّقَاتِ السَّادَّةِ، بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ مِمَّا لاَ يَجِبُ أَنْ يُلْتَفَتَ فِيهِمْ إِلَيْهِ وَلاَ يُعْرَجُ عَلَيْهِ، وَمَا يُوَضِّحُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ» .... ثم سرد ابن عبد البر من قول بعضهم في بعض ممن لا يلتفت إليهم أمثلة كثيرة، ثم قال:
«وَقَدْ كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِلَّةِ العُلَمَاءِ عِنْدَ الغَضَبِ كَلاَمٌ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَلَكِنَّ أَهْلَ العِلْمِ وَالفَهْمِ وَالفِقْهِ لاَ [يَتَلَفَّتُونَ] إِلَى ذَلِكَ لأَنَّهُمْ بَشَرٌ يَغْضَبُونَ وَيَرْضَوْنَ، وَالقَوْلُ فِي الرِّضَا غَيْرُ القَوْلِ فِي الغَضَبِ.
ولقد أحسن القائل: «لاَ يُعْرَفُ الحِلْمُ إِلاَّ سَاعَةَ الغَضَبِ».
وَمَا مَثَلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَنُظَرَائِهِمَا مِنَ الأَئِمَّةِ إِلاَّ كَمَا قَالَ الأَعْشَى:
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا لِيُوهِنَهَا ... فَلَمْ يَضِرْهَا وَأْوَهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ