614 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ قَالَ: " نَزَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَنْزِلًا مُنْصَرَفَهُ مِنَ الشَّامِ نَحْوَ الْحِجَازِ، فَطَلَبَ غِلْمَانُهُ طَعَامًا، فَلَمْ يَجِدُوا فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ مَا يَكْفِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَرَّ بِهِ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَوْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ، فَأَتَوْا عَلَى مَا فِيهِ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لِوَكِيلِهِ: اذْهَبْ فِي هَذِهِ الْبَرِيَّةِ، فَعَلَّكَ أَنْ تَجِدَ رَاعِيًا، أَوْ تَجِدَ أَخْبِيَةً فِيهَا لَبَنٌ أَوْ طَعَامٌ فَمَضَى الْقَيِّمُ، وَمَعَهُ غِلْمَانُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَدَفَعُوا إِلَى عَجُوزٍ فِي خِبَاءٍ، فَقَالُوا: هَلْ عِنْدَكِ مِنْ طَعَامٍ نَبْتَاعَهُ مِنْكِ؟ قَالَتْ: أَمَّا الطَّعَامُ أَبِيعُهُ فَلَا، وَلَكِنْ عِنْدِي مَا بِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ لِي وَلِبَنِيِّ قَالُوا: وَأَيْنَ بَنُوكِ؟ قَالَتْ: فِي رَعْيٍ لَهُمْ، وَهَذَا أَوَانُ أَوْبَتِهِمْ قَالُوا: فَمَا أَعْدَدْتِ لَكِ وَلَهُمْ؟ قَالَتْ: خُبْزَةً، وَهِيَ تَحْتَ مَلَّتِهَا أَنْتَظِرُ بِهَا أَنْ يَجِيئُوا قَالُوا: فَمَا هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لَا قَالُوا: فَجُودِي لَنَا بِنِصْفِهَا قَالَتْ: أَمَّا النِّصْفُ فَلَا أَجُودُ بِهِ، وَلَكِنْ إِنْ أَرَدْتُمُ الْكُلَّ فَشَأْنُكُمْ بِهَا قَالُوا: فَلِمَ تَمْنَعِينَ النِّصْفَ، وَتَجُودِينَ بِالْكُلِّ؟ قَالَتْ: لِأَنَّ إِعْطَاءَ الشَّطْرِ نَقِيصَةٌ، وَإِعْطَاءَ الْكُلِّ فَضِيلَةٌ، أَمْنَعُ مَا يَضَعُنِي، وَأَمْنَحُ مَا يَرْفَعُنِي فَأَخَذُوا الْمَلَّةَ، وَلَمْ تَسْأَلْهُمْ مَنْ هُمْ، وَلَا مِنْ أَيْنَ جَاءُوا، فَلَمَّا أَتَوْا بِهَا عُبَيْدَ اللَّهِ، وَأَخْبَرُوهُ بِقِصَّةِ الْعَجُوزِ، عَجِبَ، وَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَيْهَا، فَاحْمِلَوهَا إِلَيَّ السَّاعَةَ فَرَجَعُوا وَقَالُوا: انْطَلِقِي نَحْوَ صَاحِبِنَا؛ فَإِنَّهُ يُرِيدُكِ قَالَتْ: وَمَنْ هُوَ صَاحِبُكُمُ، اللَّهُ أَصْحَبَهُ السَّلَامَةَ؟ قَالُوا: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَتْ: مَا أَعْرِفُ هَذَا الِاسْمَ، فَمَنْ بَعْدَ الْعَبَّاسِ؟ قَالُوا: الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: هَذَا وَأَبِيكُمُ الشَّرَفُ الْعَالِي ذِرْوَتُهُ، الرَّفِيعُ عِمَادُهُ، هِيهِ، أَبُو هَذَا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَتْ: عَمٌّ قَرِيبٌ، أَمْ عَمٌّ بَعِيدٌ؟ قَالُوا: عَمٌّ هُوَ صِنْوُ أَبِيهِ، وَهُوَ عَصَبَتُهُ قَالَتْ: وَيُرِيدُ مَاذَا؟ قَالُوا: يُرِيدُ مُكَافَأَتَكِ وَبِرَّكَ قَالَتْ: عَلَامَ؟ قَالُوا: عَلَى مَا كَانَ مِنْكِ قَالَتْ: أَوْهِ، لَقَدْ أَفْسَدَ الْهَاشِمِيُّ بَعْضَ مَا أَثَّلَ لَهُ ابْنُ عَمِّهِ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مَا فَعَلْتُ مَعْرُوفًا مَا أَخَذْتُ بِذَنَبِهِ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا -[202]- هُوَ شَيْءٌ يَجِبُ عَلَى الْخَلْقِ أَنْ يُشَارِكَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بَعْضًا؟ قَالُوا: فَانْطَلِقِي؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرَاكِ قَالَتْ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنْكُمْ وَعِيدٌ، مَا أَجِدُ نَفْسِي تَسْخُو بِالْحَرَكَةِ مَعَهُ قَالُوا: فَأَنْتِ بِالْخِيَارِ إِنْ بُذِلَ لَكِ شَيْءٌ بَيْنَ أَخْذِهِ وَتَرَكِهِ قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا إِذْ كَانَ هَذَا أَوَّلَهُ قَالُوا: فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَنْطَلِقِي إِلَيْهِ قَالَتْ: فَإِنِّي مَا أَنْهَضُ عَلَى كُرْهٍ إِلَّا لِوَاحِدَةٍ قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: أَرَى وَجْهًا هُوَ جَنَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ ثُمَّ قَامَتْ، فَحَمَلُوهَا عَلَى دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّهِ، فَلَمَّا صَارَتْ إِلَيْهِ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهَا السَّلَامَ، وَقَرَّبَ مَجْلِسَهَا، وَقَالَ لَهَا: مِمَّنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا مِنْ كَلْبٍ قَالَ لَهَا: فَكَيْفَ حَالُكِ؟ قَالَتْ: أَجِدُ الْقَائِتَ وَأَسْتَمْرِيهِ، وَأَهْجَعُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، وَأَرَى قُرَّةَ الْعَيْنِ مِنْ وَلَدٍ بَارٍّ، وَكَنَّةٍ رَضِيَّةٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ وَجَدْتُهُ أَخَذْتُهُ، وَإِنَّمَا أَنْتَظِرُ أَنْ يَأْخُذَنِي قَالَ: مَا أَعْجَبَ أَمَرَكِ كُلَّهُ قَالَتْ: قِفْنِي عَلَى أَوَّلِ عَجَبِهِ قَالَ: بَذْلُكِ لَنَا مَا كَانَ فِي حِوَائِكِ فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَى الْقَيِّمِ، فَقَالَتْ: هَذَا مَا قُلْتُ لَكَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَمَا قَالَتْ لَكَ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَازْدَادَ تَعَجُّبًا، وَقَالَ: خَبِّرِينِي، فَمَا ادَّخَرْتِ لِبَنِيكِ إِذَا انْصَرَفُوا؟ قَالَتْ: مَا قَالَ حَاتِمُ طَيِّئٍ:
[البحر الكامل]
وَلَقَدْ أَبِيتُ عَلَى الطُّوَى وَأَظَلُّهُ ... حَتَّى أَنَالَ بِهِ كَرِيمَ الْمَأْكَلِ
فَازْدَادَ مِنْهَا عُبَيْدُ اللَّهِ تَعَجُّبًا، وَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوِ انْصَرَفَ بَنُوكِ وَهُمْ جِيَاعٌ، وَلَا شَيْءَ عِنْدَكِ، مَا كُنْتِ تَصْنَعِينَ بِهِمْ؟ قَالَتْ: يَا هَذَا، لَقَدْ عَظُمَتْ هَذِهِ الْخُبْزَةُ عِنْدَكَ وَفِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَنْ صِرْتَ لَتُكْثِرُ فِيهَا مَقَالَكَ، وَتَشْغَلُ بِذِكْرِهَا بَالَكَ، الْهُ عَنْ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ؛ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ النَّفْسَ، وَيُؤَثِّرُ فِي الْحِسِّ فَازْدَادَ تَعَجُّبًا، ثُمَّ قَالَ لِغُلَامِهِ: انْطَلِقْ إِلَى فِتْيَانِهَا، فَإِذَا أَقْبَلَ بَنُوهَا فَجِئْنِي بِهِمْ فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: أَمَا إِنَّهُمْ لَا يَأْتُونَكَ إِلَّا بِشَرِيطَةٍ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: لَا تَذْكُرْ لَهُمْ مَا ذَكَرْتَهُ لِي؛ فَإِنَّهُمْ شَبَابٌ أَحْدَاثٌ، تُحْرِجُهُمُ الْكَلِمَةُ، وَلَا آمَنُ بَوَادِرَهُمْ إِلَيْكَ، وَأَنْتَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الرَّفِيعِ، وَالشَّرَفِ الْعَالِي، فَإِذَا نَحْنُ مِنْ أَشَرِّ الْعَرَبِ جِوَارًا فَازْدَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ تَعَجُّبًا، وَقَالَ لَهَا: سَأَفْعَلُ مَا أَمَرْتِ بِهِ فَقَالَتِ الْعَجُوزُ لِلْغُلَامِ: انْطَلِقْ، فَاقْعُدْ بِحِذَاءِ الْخِبَاءِ الَّذِي رَأَيْتَنِي فِي ظِلِّهِ، فَإِذَا أَقْبَلَ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهُمْ دَائِمُ الطَّرْفِ نَحْوَ الْأَرْضِ، قَلِيلُ الْحَرَكَةِ، كَثِيرُ السُّكُونِ، فَذَاكَ الَّذِي إِذَا خَاصَمَ أَفْصَحَ، وَإِذَا طَلَبَ أَنْجَحَ، وَالْآخَرُ دَائِمُ النَّظَرِ، كَثِيرُ الْحَذَرِ، لَهُ أُبَّهَةٌ قَدْ كَمَلَتْ مِنْ حَسَبِهِ، وَأَثَّرَتْ فِي نَسَبِهِ، فَذَاكَ الَّذِي إِذَا قَالَ فَعَلَ، وَإِذَا ظُلِمَ قَتَلَ، وَالْآخَرُ كَأَنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ، وَكَأَنَّهُ يَطْلُبُ الْخَلْقَ بِثَأْرٍ، فَذَاكَ الْمَوْتُ الْمَائِتُ، هُوَ وَاللَّهِ وَالْمَوْتُ قَسِيمَانِ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ سَلَامِي، وَقُلْ لَهُمْ: تَقُولُ لَكُمْ وَالِدَتُكُمْ: لَا يُحْدِثَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَمْرًا حَتَّى تَأْتُوهَا -[203]- فَانْطَلَقَ الْغُلَامُ، فَلَمَّا جَاءَ الْفِتْيَةُ آخِرُهُمْ، فَمَا قَعَدَ قَائِمُهُمْ، وَلَا شَدَّ جَمْعُهُمْ حَتَّى تَقَدَّمُوا سِرَاعًا، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَرَأَوْا أُمَّهُمْ، سَلَّمُوا، فَأَدْنَاهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ مِنْ مَجْلِسِهِ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكُمْ، وَلَا إِلَى أُمِّكُمْ لِمَا تَكْرَهُونَ قَالُوا: فَمَا بَعْدَ هَذَا؟ قَالَ: أُحِبُّ أَنْ أُصْلِحَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَأُلِمَّ مِنْ شَعَثِكُمْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا قَلَّ مَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ سُؤَالٍ، أَوْ مُكَافَأَةٍ لِفِعْلٍ قَدِيمٍ قَالَ: مَا هُوَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ جَاوَرَتُكُمْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَخَطَرَ بِبَالِي أَنْ أَضَعَ بَعْضَ مَالِي فِيمَا يُحِبُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالُوا: يَا هَذَا، إِنَّ الَّذِي يُحِبُّ اللَّهُ لَا يَجِبُ لَنَا، إِذْ كُنَّا فِي خَفْضٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَكِفَافٍ مِنَ الرِّزْقِ، فَإِنْ كُنْتَ هَذَا أَرَدْتَ فَوَجِّهْهُ نَحْوَ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، وَإِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ النَّوَالَ مُبْتَدِئًا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ سُؤَالٌ، فَمَعْرُوفُكَ مَشْكُورٌ، وَبِرُّكَ مَقْبُولٌ فَأَمَرَ لَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعِشْرِينَ نَاقَةً، وَحَوَّلَ أَثْقَالَهُ إِلَى الْبِغَالِ وَالدَّوَابِّ، وَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ فِيَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ مَنْ يُشْبِهُ هَذِهِ الْعَجُوزَ، وَهَؤُلَاءِ الْفِتْيَانَ فَقَالَتِ الْعَجُوزُ لِفِتْيَانِهَا: لِيَقُلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ فِي هَذَا الشَّرِيفِ، وَلَعَلَيَّ أَنْ أُعِينَكُمْ، فَقَالَ الْكَبِيرُ:
[البحر المتقارب]
شَهِدْتُ عَلَيْكَ بِطِيبِ الْكَلَامِ ... وَطِيبِ الْفِعَالِ وَطِيبِ الْخَبَرْ
وَقَالَ الْأَوْسَطُ:
تَبَرَّعْتَ بِالْجُودِ قَبْلَ السُّؤَالِ ... فِعَالَ كَرِيمٍ عَظِيمِ الْخَطَرْ
وَقَالَ الْأَصْغَرُ:
وَحُقَّ لِمَنْ كَانَ ذَا فِعْلَهُ ... بِأَنْ يَسْتَرِقَّ رِقَابَ الْبَشَرْ
وَقَالَتِ الْعَجُوزُ:
فَعَمَّرَكَ اللَّهُ مِنْ مَاجِدٍ ... وَوُقِّيتَ شَرَّ الرَّدَى فَالْحَذَرِ
"
615 - قَالَ الْخَرَائِطِيُّ: وَحَدَّثَنَا أَيْضًا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الرَّبْعِيُّ، عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ قَالَ: نَزَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَعْنِي فَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً