ومما يدل على أن هذه الأعمال الثلاثة التي تعد من جوهر عملية التحقيق عرف بها أسلافنا الأوائل, هذه الأحداث التي أسوقها فيما يلي:

جاء في جذوة المقتبس: أمرنا الحكم المستنصر بالله -رحمه الله- بمقابلة كتاب العين للخليل بن أحمد مع أبي علي إسماعيل بن القاسم البغدادي، وأحضر من الكتاب نسخا كثيرة، في جملتها نسخة القاضي منذر بن سعيد التي رواها بمصر عن ابن ولاد، فمر لنا صور من الكتاب بالمقابلة1.

ويقول الأستاذ علي النجدي ناصف في كتابه سيبويه إمام النحاة: كان للقدماء عناية ملحوظة بضبط النصوص، والمحافظة على صحتها، وكانوا يروون أخبارها بالسند حتى يرفعوها إلى أصحابها على نحو ما كانوا يصنعون بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا ينسبون نسخ الكتاب التي يكتبونها فرعا إلى أصل حتى يبلغوا بها أوائلها التي تحدرت منها، وكانوا يقرءونها معارضة على الأصول التي ينقلون عنها2.

إن هذه الأحداث تعني أن العرب عرفوا التحقيق قبل الأوروبيين بزمن مديد، لكنه لم يكن عندهم علم يدرس على أيدي الشيوخ أو المدارس ومراكز البحث، وإنما كان أسلوبا يهدف إلى الحفاظ على النص، وتيسير أسباب سلامته3.

غير أن المحققين المعاصرين زادوا أشياء هي أدنى إلى الصنعة، لكنها خبرات عرفوها ممن سبقوهم مثل: علامات الترقيم، والتبويب الجيد، والفهارس المتعددة التي تيسر البحث للأجيال المقبلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015