النيسابوري (- 405 هـ) لكنه لم يهذب ولم يرتب. وتلاه أبو نعيم الأصبهاني (- 430 هـ) فعمل على كتابه مستخرجًا وأبقى أشياء للمتعقب. ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي (- 463 هـ) فصنف في قوانين الرواية كتابًا سماه الكفاية، وفي آدابها كتابًا سماه الجامع لآداب الشيخ والسامع .. وقلَّ فنٌّ من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابًا مفردًا، فكان كما قال الحافظ أبو بكر ابن نقطة (?): " كل من أنصف عَلِمَ أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه " ثم جاء بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض (- 544 هـ) كتابًا لطيفًا سماه الإِلماع، وأبو حفص المَيَانجي (- 580 هـ) جزءًا سماه ما لا يَسَعُ المحدث جهلُه. وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت وبُسِطت ليُتوفَّرَ عليها. واختُصِرت ليتيسر فهمُها. إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري نزيل دمشق، فجمع لَمَّا ولِيَ تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور، فهذب فنونه وأملاه شيئاً بعد شيء، فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب. واعتنى بتصانيف الخطيب المفرَّقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نُخَبَ فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا اجتمع الناس عليه وساروا بسَيْره فلا يُحصَى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر. ومعارض له ومنتصر .. " (?).

من هذه الفقرة المجملة، يتبين مسار علوم المصطلح في مصنفاتها الجامعة، يتعاقب على خدمتها العلماء على توالي الأعصار، وتباعد الأمصار، من رامهرمز في خوزستان، ونيسابور وأصبهان وشهرزور وبغداد ودمشق، إلى مصر والمغرب. ومعهم في كل عصر عدول أئمة من الحفاظ والنظار، يحملون هذا العلم الشريف خلفًا عن سلف " ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015