قُلْتُ: يَنْبَغِي أنْ يُبْنَى هَذَا عَلَى أنَّ الإجازةَ في حُكْمِ (?) الإخْبَارِ بالمجازِ جُمْلَةً أوْ هِيَ إذْنٌ، فَإنْ جُعِلَتْ في حُكْمِ الإخْبَارِ لَمْ تَصِحَّ هذهِ الإجَازَةُ، إذْ كَيفَ يُخْبِرُ بما لاَ خَبَرَ عِندَهُ منهُ. وإنْ جُعِلَتْ إذْناً انْبَنَى هذا على الخِلاَفِ في تَصْحيحِ الإذْنِ في بابِ الوكالَةِ فيما لَمْ يَمْلِكْهُ الآذِنُ الموكِّلُ بَعْدُ، مِثْلُ أنْ يُوكِّلَ في بيعِ العبدِ الذي يريدُ أنْ يَشْتَرِيَهُ. وقَدْ أجَازَ ذلكَ بعضُ أصحابِ الشَّافعيِّ، والصحيحُ بُطْلانُ هذهِ الإجَازَةِ (?). وعَلى هذا يَتَعَيَّنُ على مَنْ يُرِيْدُ أنْ يَرْوِيَ بالإجَازَةِ عَنْ شَيْخٍ أجَازَ لهُ جَمِيْعَ مَسْمُوعَاتِهِ مثلاً، أنْ يَبْحَثَ حَتَّى يَعْلَمَ أنَّ ذَاكَ (?) الذي يُريدُ روايتَهُ عنهُ مِمَّا سَمِعَهُ قَبْلَ تارِيْخِ (?) الإجازةِ. وأمَّا إذا قَالَ: أجَزْتُ لَكَ مَا صَحَّ ويَصِحُّ عِندَكَ مِنْ مَسْمُوعاتِي (?)؛ فهذا ليسَ مِنْ هذا القبيلِ، وقَدْ فَعَلَهُ الدَّارقطنيُّ وغيرُهُ، وجائِزٌ أنْ يَرْوِيَ بذلكَ عنهُ مَا صَحَّ عندَهُ بَعْدَ الإجَازَةِ أنَّهُ سَمِعَهُ قَبْلَ الإجَازَةِ، ويَجُوزُ ذَلِكَ وإنِ اقْتَصَرَ على قولِهِ: مَا صَحَّ عِنْدَكَ، ولَمْ يَقُلْ: ومَا يَصِحُّ؛ لأنَّ المرادَ: أجَزْتُ لكَ أنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا صَحَّ عِنْدَكَ. فالمعتبرُ إذنْ فيهِ صِحَّةُ ذلكَ عِنْدَهُ حَالَةَ الروَايَةِ، واللهُ أعلمُ.
النَّوْعُ السَّابِعُ مِنْ أنواعِ الإجازَةِ: إجَازَةُ الْمُجَازِ، مِثْلُ أنْ يَقولَ الشيخُ: أجزْتُ لَكَ مُجَازَاتِي، أوْ أجزتُ لكَ روايةَ مَا أُجِيزَ لِي روايتُهُ، فَمَنَعَ مِنْ ذلكَ بعضُ مَنْ لاَ يُعْتَدُّ بهِ مِنَ المتَأَخِّرينَ (?). والصحيحُ والذي عليهِ العَمَلُ أنَّ ذلكَ جائِزٌ (?)، ولاَ يُشْبِهُ ذَلكَ ما امْتَنَعَ مِنْ تَوْكِيْلِ الوكيلِ بغيرِ إذْنِ الموَكِّلِ. ووجَدْتُ عَنْ أبي عَمْرٍو السَّفَاقُسِيِّ الحافِظِ المغْرِبيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أبا نُعَيْمٍ الحافِظَ -يَعْنِي: الأصْبَهانيَّ (?) - يَقُولُ: ((الإجَازَةُ عَلَى الإجَازَةِ قَوِيَّةٌ جَائِزَةٌ)).