وَكَثُرَ فِي عَصْرِنَا وَمَا قَارَبَهُ بَيْنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْحَدِيثِ اسْتِعْمَالُ " عَنْ " فِي الْإِجَازَةِ، فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ: " قَرَأْتُ عَلَى فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ "، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَظُنَّ بِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ بِالْإِجَازَةِ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الِاتِّصَالِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِي: اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ الرَّاوِي: " أَنَّ فُلَانًا قَالَ كَذَا وَكَذَا " هَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ (عَنْ) فِي الْحَمْلِ عَلَى الِاتِّصَالِ، إِذَا ثَبَتَ التَّلَاقِي بَيْنَهُمَا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ الِانْقِطَاعُ.
مِثَالُهُ: (مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَذَا).
فَرُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى (عَنْ فُلَانٍ) وَ (أَنَّ فُلَانًا) سَوَاءً.
وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُمَا لَيْسَا سَوَاءً.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ " عَنْ " وَ " أَنَّ " سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْحُرُوفِ وَالْأَلْفَاظِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِاللِّقَاءِ وَالْمُجَالَسَةِ، وَالسَّمَاعِ وَالْمُشَاهَدَةِ، يَعْنِي مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ التَّدْلِيسِ، فَإِذَا كَانَ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ صَحِيحًا كَانَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ بِأَيِّ لَفْظٍ وَرَدَ مَحْمُولًا عَلَى الِاتِّصَالِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ الِانْقِطَاعُ.
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْبَرْدِيجِيِّ أَنَّ حَرْفَ " أَنَّ " مَحْمُولٌ عَلَى الِانْقِطَاعِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ السَّمَاعُ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وَقَالَ: عِنْدِي لَا مَعْنَى لِهَذَا، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ