وَأَنَا أُورِدُ نُكَتًا نَافِعَةً - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمُصَنِّفِي كُتُبِ الصَّحَابَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهَا بِهَا، مُقَدِّمِينَ لَهَا فِي فَوَاتِحِهَا:
إِحْدَاهَا: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ؟ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: " مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي الْمُظَفَّرِ السِّمْعَانِيِّ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يُطْلِقُونَ اسْمَ الصَّحَابَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ رَوَى عَنْهُ حَدِيثًا أَوْ كَلِمَةً، وَيَتَوَسَّعُونَ حَتَّى يَعُدُّونَ مَنْ رَآهُ رُؤْيَةً مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا لِشَرَفِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَوْا كُلَّ مَنْ رَآهُ حُكْمَ الصُّحْبَةِ ".
وَذُكِرَ أَنَّ اسْمَ الصَّحَابِيِّ - مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَالظَّاهِرُ - يَقَعُ عَلَى مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَثُرَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّبَعِ لَهُ وَالْأَخْذِ عَنْهُ، قَالَ: " وَهَذَا طَرِيقُ الْأُصُولِيِّينَ ".
قُلْتُ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّ الصَّحَابِيَّ إِلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، وَغَزَا مَعَهُ غَزْوَةً أَوْ غَزْوَتَيْنِ، وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا - إِنْ صَحَّ عَنْهُ - رَاجِعٌ إِلَى الْمَحْكِيِّ عَنِ الْأُصُولِيِّينَ.