مِنَ الْأَسَدِ ".
وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ لَا تُعْدِي بِطَبْعِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ مُخَالَطَةَ الْمَرِيضِ بِهَا لِلصَّحِيحِ سَبَبًا لِإِعْدَائِهِ مَرَضَهُ.
ثُمَّ قَدْ يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ عَنْ سَبَبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ، فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ نَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ الْجَاهِلِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُعْدِي بِطَبْعِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: " فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟ "، وَفِي الثَّانِي: اعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِذَلِكَ، وَحَذَّرَ مِنَ الضَّرَرِ الَّذِي يَغْلِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ، بِفِعْلِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -.
وَلِهَذَا فِي الْحَدِيثِ أَمْثَالٌ كَثِيرَةٌ. وَ (كِتَابُ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ) لِابْنِ قُتَيْبَةَ فِي هَذَا الْمَعْنَى إِنْ يَكُنْ قَدْ أَحْسَنَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ فَقَدْ أَسَاءَ فِي أَشْيَاءَ مِنْهُ قَصُرَ بَاعُهُ فِيهَا، وَأَتَى بِمَا غَيْرُهُ أَوْلَى وَأَقْوَى.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ: " لَا أَعْرِفُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَانِ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَلْيَأْتِنِي بِهِ لِأُؤَلِّفَ بَيْنَهُمَا ".