النَّاقِلُ حَسُنَ بِهِ أَنْ يُحَدِّثَ هو: أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْخَمْسِينَ ; لِأَنَّهَا انْتِهَاءُ الْكُهُولَةِ وَفِيهَا مُجْتَمَعُ الْأَشُدِّ، قَالَ سُحَيْمُ بْنُ وَثِيلٍ:
أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي ... وَنجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّئُونِ.
قَالَ: " وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ أَنْ يُحَدِّثَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَرْبَعِينَ ; لِأَنَّهَا حَدُّ الِاسْتِوَاءِ وَمُنْتَهَى الْكَمَالِ، نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ تَتَنَاهَى عَزِيمَةُ الْإِنْسَانِ وَقُوَّتُهُ، وَيَتَوَفَّرُ عَقْلُهُ، وَيَجُودُ رَأْيُهُ ".
وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ خَلَّادٍ، وَقَالَ: كَمْ مِنَ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى هَذَا السَّنِّ، وَمَاتَ قَبْلَهُ، وَقَدْ نَشَرَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَالْعِلْمِ مَا لَا يُحْصَى هَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تُوُفِّيَ وَلَمْ يُكْمِلِ الْأَرْبَعِينَ.
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَمْ يَبْلُغِ الْخَمْسِينَ. وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ.
وَهَذَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ جَلَسَ لِلنَّاسِ ابْنَ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: ابْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ، وَشُيُوخُهُ أَحْيَاءٌ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ أُخِذَ عَنْهُ الْعِلْمُ فِي سِنِّ الْحَدَاثَةِ، وَانْتَصَبَ لِذَلِكَ "، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ خَلَّادٍ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ: فِيمَنْ يَتَصَدَّى لِلتَّحْدِيثِ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ بَرَاعَةٍ فِي الْعِلْمِ