التأليف بمثل هذه الطريقة التي سار عليها أصحاب تلك المؤلفات له ما يبرره، فالعبرة في المقام الأول للأقوال لا لقائليها ولذلك كثرت مؤلفاتهم في المسائل والردود وقلت في باب الفرق؛ بل انتقدوا منهج وطريقة تلك المؤلفات، وفي هذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله:"وقد تدبرت كتب الاختلاف التي يذكر فيها مقالات الناس إما نقلاً مجرداً، مثل كتاب "المقالات" لأبي الحسن الأشعري، وكتاب "الملل والنحل" للشهرستاني، ولأبي عيسى الوراق؛أو مع الانتصار لبعض الأقوال، كسائر ما صنفه أهل الكلام على اختلاف طبقاتهم - فرأيت عامة الاختلاف الذي فيها من الاختلاف المذموم. أما الحق الذي بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وكان عليه سلف الأمة - فلا يوجد فيها في جميع مسائل الاختلاف، بل يذكر أحدهم في المسألة عدة أقوال، والقول الذي جاء به الكتاب والسنة لا يذكرونه، وليس ذلك لأنهم يعرفونه ولا يذكرونه، بل لا يعرفونه.
ولهذا كان السلف والأئمة يذمون هذا الكلام؛ولهذا يوجد الحاذق منهم المنصف الذي غرضه الحق في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك، إذ لم يجد في الاختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض؛ وكثير منهم يترك الجميع ويرجع إلى دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب)
الوقفة الرابعة: أن المقالات تتفاوت في الكم والكيف، فهناك مقالات كبيرة تندرج تحتها جملة من الأقوال وتتشعب عنها أنواع من الأراء والأفكار والمسائل، ومثل هذه المقالات بحاجة إلى دراسة مستقلة توضح تلك الجوانب وتشرح تلك الأفكار والأراء، وتبين نوع العلاقة
1 منهاج السنة 5/268 ـ 269