ومع هذا نفس القول الذي جاء به الكتاب والسنة وقال به الصحابة والتابعون لهم بإحسان: في القرآن، والرؤية، والصفات، والقدر، وغير ذلك من مسائل أصول الدين ليس في كتابه، وقد استقصى ما عرفه من كلام المتكلمين.
وأما معرفة ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وآثار الصحابة، فعلم آخر لا يعرفه أحد من هؤلاء المتكلمين، المختلفين في أصول الدين. ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها متفقين على ذم أهل الكلام) إلى أن قال (ومع هذا فيستفاد من كلامهم نقض بعضهم على بعض وبيان فساد قوله، فإن المختلفين كل كلامهم فيه شيء من الباطل، وكل طائفة تقصد بيان بطلان قول الأخرى، فيبقى الإنسان عنده دلائل كثيرة تدل على فساد قول كل طائفة من الطوائف المختلفين في الكتاب.
وهذا مما مُدح به الأشعري؛ فإنه بيّن من فضائح المعتزلة وتناقض أقوالهم وفسادها ما لم يبينه غيره، لأنه كان منهم، وكان قد درس الكلام على أبي علي الجبائي أربعين سنة، وكان ذكياً، ثم إنه رجع عنهم، وصنف في الرد عليهم، ونصر في الصفات طريقة ابن كلاب، لأنها أقرب إلى الحق والسنة من قولهم، ولم يعرف غيرها، فإنه لم يكن خبيراً بالسنة والحديث وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم، وتفسير السلف للقرآن. والعلم بالسنة المحضة إنما يستفاد من هذا.
ولهذا يذكر في المقالات مقالة المعتزلة مفصلة: يذكر قول كل واحد منهم وما بينهما من النزاع في الدق الجل.....؛ويذكر أيضاً مقالات الخوارج والروافض، لكن نقله لها من كتب أرباب المقالات، لاعن مباشرة منه للقائلين، ولا عن خبرة بكتبهم، ولكن فيه تفصيل عظيم، ويذكر مقالة ابن كلاب عن خبرة بها ونظر في كتبه، ويذكر اختلاف