ومن أخبار أبي عمرو أنه خرج مع أبيه هاربين من الحجاج، قال: فبينما نحن نسير إذا أعرابي على بعير له ينشد:
لا تضيقنّ بالأمور فقد تف ... رج غماؤها بغير احتيال
ربما تكره النفوس من الأم ... ر لها فرجة كحل العقال
فقال أبي: ما الخبر؟ قال: مات الحجّاج. فكنت بقوله (فرجة) أسر مني بقوله:
مات الحجّاج (?) والفرجة (بالفتح) من الهم و (بالضم) من الحائط.
وبقي أبو عمرو يقرئ الناس ويعلمهم حتى كانت وفاته سنة أربع وخمسين ومائة بالكوفة، قال أبو عمرو الأسدي:
«لما أتى نعي أبي عمرو أتيت أولاده فعزيتهم عنه، وهنا لك أقبل يونس بن حبيب فقال: نعزيكم وأنفسنا بمن لا نرى شبها له آخر الزمان، والله لو قسم علم أبي عمرو وزهده على مائة إنسان لكانوا كلهم علماء زهادا، والله لو رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلم لسره ما هو عليه» (?).
رحم الله أبا عمرو شيخ القراء والنحاة وأستاذ العربية والشعر والأدب- وجزاه عن القرآن وأهله خير الجزاء.
- مولده: في السنة الثامنة للهجرة وفي ضيعة يقال لها (رحاب)، وهي اليوم بلدة صغيرة تابعة لمحافظة المفرق في شمال الأردن، ولد الإمام الكبير والتابعي الجليل عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم اليحصبي، أبو عمران، إمام أهل الشام وشيخ القراء بها.
وكانت الأردن وبقية بلاد الشام آنذاك تحت حكم الرومان، ومن المعروف أن السنة الثامنة للهجرة قد شهدت أول صدام عسكري بين المسلمين والروم حيث دارت معركة مؤتة الشهيرة بين الجانبين، وكان ذلك إيذانا ببدء العمل الجهادي والفتح الإسلامي خارج نطاق الجزيرة العربية.