أما حرية رجال الدين في طقوسهم، وإبقاء سلطتهم على رعاياهم دون تدخل الدولة في ذلك، فقد شعر المسيحيون من سكان البلاد بالحرية في ذلك ما لم يشعروا ببعضه في حكم الروم. ولعل أحداً منا لا ينسى موقف السلطان محمد الفاتح حين استولى على القسطنطينية مقر البطريركية الأرثوذكسية في الشرق كله، فقد أعلن يومئذ تأمين سكانها - وكلهم نصارى - على أموالهم وأرواحهم وعقائدهم وصلبانهم وأعفاهم من الجندية، ومنح رؤساءهم سلطة التشريع والفصل في الخصومات التي تقع بين رعاياهم، دون أن تتدخل الدولة فيها! فرأى في ذلك سكان القسطنطينية فرقاً كبيراً بين ما كانوا يعاملون به في عهد البيزنطيين وبين معاملة السلطان محمد الفاتح لهم، إذ كان البيزنطيون يتدخلون في الخلافات المذهبية ويفضلون أتباع كنيستهم على أتباع الكنائس الأخرى.