وأما بالنسبة لموضوع اليوم فهو سيكون على شقين: سبب اختيار العرب ليكون الرسول من بينهم.
والشق الثاني: المقدمات الطويلة والمبشرات الكثيرة التي تبشر بوصول سيدنا رسول الله.
إن الناظر بنظرة تاريخية إلى حالة العالم قبل ميلاد رسول الله، يجد أنه كان فيه قوتان تحكمان وهم الفرس وهؤلاء مجوس يعبدون النار، والروم وهؤلاء أهل كتاب ولكنهم يؤمنون بالتثليث وببنوة عيسى لله أو أنه هو الله.
وهناك قوة أخرى ولكنها بعيدة بالنسبة لهذا العصر وهي الهند وشرق آسيا وما وراء النهر، وهذه قوة رهيبة جداً ولكن كان عندهم مسألة زواج المحارم -كما قلنا من قبل- فيحل للواحد عندهم أن يتزوج بنته أو يتزوج عمته أو خالته أو أخته.
وأصلح الناس في هذا الوقت لتلقي الرسالة هم العرب.
فالفرس عبارة عن أناس كافرين بالله عز وجل يعبدون النار، ففيهم الجبروت كما كان الفراعنة وكما كان الفينيقيون.
وأما الرومان فهم دولة استعمارية -كما يقال- تجيد الاستعمار وتجيد احتلال الأرض وتجيد أن تأخذ ما ليس من حقها.
أما الهنود فعندهم عبادات غريبة، فهم لا يصلحون للرسالة، لبعدهم عن العالم في هذا الوقت.
أما العرب فهم أمة فيها من الأخلاق ما لو طور لصاروا أفضل الناس، ومن الأخلاق التي يتميز بها العربي: الكرم، وقد جاء الإسلام يدعو إلى الكرم وكان سيدنا الحبيب أجود من الريح المرسلة، وكان كريماً جداً صلى الله عليه وسلم.
والشهامة كذلك لا تجدها إلا في العربي، والغيرة على المحارم لا تجدها إلا في العربي، حتى وصل الأمر ببعض القبائل أنهم كانوا يئدون بناتهم أحياء بدافع الغيرة ومن خوفهم أن البنت ستجلب العار وهذا ما جاء الشرع ليحرمه، لكن هذا كان من شدة غيرة العربي على المحارم حتى قال عنترة: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها ومن الأخلاق الفاضلة النجدة؛ وقد بلغ الأمر أن النجدة والكرم العربي وصل إلى أن هاشماً جد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يهشم الثريد ويطعم أهل مكة في المجاعة عاماً متواصلاً إلى أن تزول الأزمة: عمرو الذي هشم الثريد لقومه وأهل مكة مسنتون عجاف ولذلك سمي هاشماً.