وقد سبق أن ذكرنا من أن تختار له أماً صالحة، لا أماً غنية فقط، بل إن اخترتها غنية فلا بد من أن يكون عندها دين، أو جميلة، فلا بد من أن يكون عندها دين، أو ذات نسب، فلا بد من أن يكون عندها دين، لحديث: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).
فالمهم أنك تتزوج امرأة صالحة ونبتة طيبة من بيت طيب، فهذا هو أول حق لابنك قبل أن يوجد، وسوف يطالبك الابن بهذا الحق يوم القيامة إن لم تختر له الأم الصالحة.
وليس بصحيح ما يقوله بعض البعيدين عن الله، حيث يقول الواحد منهم: لا ينفع أن آخذ امرأة لا أحبها، والبنت تقول: حين أحبه أوافق عليه والأولى هو أن تختبر أخلاقه نتيجة الفوضى والانحراف، ونقول هنا ما قاله عمر بن الخطاب، فسيدنا عمر جاءه رجل يقول له: أريد أن أطلق زوجتي، فسأل عن السبب، فقال: أنا لا أحبها.
فضربه عمر بالدرة وقال: أولم تبن البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية والتذمم؟! يقول: البيوت لا تبنى على الحب فحسب، فالحب لا بد من أن يكون موجوداً، فيجب أن يكون الود والتعاطف والمودة بينك وبين امرأتك، فإن ولى الحب يبقى شيء مهم، وهو أن لك حقوقاً وعليك واجبات، وزوجتك لها حقوق وعليها واجبات.
ولو أن كل واحد منا أدى ما عليه وأخذ ما له لصلحت الأمور، أما أن تبتعد عن الله وتبتعد عن طريق الله وتبتعد عن مجالس العلم، وتبتعد عن تقوى الله، وتبتعد عن قيام الليل وصيام النهار وقراءة القرآن، وتريد امرأتك أن تكون صالحة، فمعنى ذلك أن تغالط نفسك، فأصلح ما بينك وبين ربك يصلح الله لك ما بينك وبين زوجتك، والزوجة كذلك ما بينها وبين ربها، لا أن تقعد تشتكي من زوجها، فكلما ذهبت إلى أمها أخبرتها بما يصنع زوجها، فهذه خيانة من الخيانات، فليس من حقك أن تذهبي إلى أمك لتقصي عليها أسرار بيتك ومشاكلك، فهذه خيانة.
قال أهل العلم: إن الأم لها حق خاص، لحديث: (من أولى الناس بالحقوق على الرجل يا رسول الله! قال: أمك، قال: وعلى المرأة؟ قال: زوجها)، فمن أكبر الحقوق على المرأة حق زوجها، ومن أكبر الحقوق على الرجل حق أمه.
كما قال أهل العلم: إن المرأة ليس من حقها أن تذهب إلى أمها لتخبرها عما تطبخ، فكم من خيانة في البيوت! وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم تلك خيانة، والله قد سماها خيانة أيضاً فقال تعالى: {اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:10].
قالوا: إن زوجة لوط وزوجة نوح كانتا تخرجان أسرار زوجيهما النبيين فسمي ذلك في الإسلام خيانة.
وفي الحديث: (إن من أكبر الخيانات أن يحدث الرجل زوجته حديثاً فتصبح لتحدث به جيرانها)، فتقعد مع الجيران لتكلمهم، وقال: (ومن أكبر الخيانات عند الله أن تسر المرأة لزوجها بحديث فيصبح ليحدث به جلساءه)، فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خيانة.
فأنت تختار زوجة صالحة من أجل أن يتأسس البيت على أساس صالح، فهذا هو الحق الأول لابنك عليك، وقد خرج الإمام الشافعي رضوان الله عليه لطلب العلم، فقال: يا أمي! أوصيني؟ قالت: لا تكذب.
وما أكثرت عليه، فلم تقل: اجمع المال، وانتبه لا تأمن زوجتك، بل قالت له: لا تكذب.
وسافر الإمام الشافعي، فخرج عليهم قطاع طريق ليأخذوا ما معهم، فقال أحد اللصوص للشافعي: هل معك شيء؟ قال: معي أربعون ديناراً.
فاللص ظن أن الشافعي يضحك عليه، فتركه، فجاء لص آخر فقال له: أمعك شيء؟ قال: معي أربعون ديناراً، فأخذوه إلى رئيسهم، فقالوا: هذا نسأله: أمعك مال؟ فيقول: معي أربعون ديناراً! فقال له: معك أربعون ديناراً؟ قال: نعم، فقالوا له: أين تضعها؟ فقال لهم: أديروا وجوهكم.
وأخرج المال، ثم قال: لقد عاهدت أمي على ألا أكذب وأنا أخاف أن أحيف بعهد أمي.
فشق شيخ اللصوص ثوبه، وقال: أنت تخاف أن تحيف بعهد أمك وأنا قد حفت بعهد الله، أشهد الله أني قد تبت على يديك، وكان اللصوص كلهم تابعين له، فقالوا له: لقد كنت شيخنا في المعصية وفي الحرام، وأنت الآن شيخنا في التوبة.
وقد حدث أن المحكمة الشرعية في السعودية أقامت حد قطع اليد على شاب، وقبل أن يقطع المتولي للقطع، قال له الشاب: اقطع أولاً لسان أمي، فقال: لماذا؟ قال: لقد سرقت دجاجة من دجاج الجيران وأنا صغير، فزغردت أمي وقالت: لقد صار ابني رجلاً، ففرحتها هي التي جعلتني أستمر في السرقة.
فالأم حين تكون صالحة يصلح بها المجتمع، وأما إذا كانت بخلاف ذلك فإنها حين يكبر الأولاد تقول لهم: سأطلعكم على أمور لم أقلها لكم وأنتم صغار، وأبوكم هذا قد أرهقني منذ ثلاثين سنة.
فتكره الأولاد في أبيهم.
فيا امرأة! اصبري واحتسبي إذا كان زوجك ليس صالحاً وقد صبرت طول هذه المدة، فمن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثلما أعطى آسية امرأة فرعون في الجنة، ومن صبر على سوء خلق زوجته أعطاه الله مثلما أعطى أيوب على صبره.