وأنا أريدك أن تنظر إلى الساحة الآن فلا تغضب، والذي يُغضِب هو شيء واحد فقط، وهو أن يعيب بعضنا بعضاً، فلا يعيب بعضنا على بعض، بل نعمل بما اتفقنا عليه، فقد اتفقنا على التوحيد والصلاة والصيام وحج البيت، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم، والاستقامة، والبعد عن الانحراف، والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
لقد ذهب الشافعي ليصلي في الكوفة موضع رفات أبي حنيفة، ووقف ليصلي، فصلى الصبح ولم يقنت، والإمام الشافعي يرى القنوت في صلاة الصبح، فقام من الركوع وسجد، وبعدما سلم قالوا له: أنسيت يا إمام؟! فقال: لا، ولكني احترمت قبر أبي حنيفة، كل الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة.
ولم يقل: أنا الذي أفهم واترك عنك فلاناً، وأنا الذي أعرف.
ولقد قال أبو حنيفة: علمنا هذا صواب يحتمل الخطأ، وعلم غيرنا خطأ يحتمل الصواب، فمن رأى غيرنا فله ما رأى ولنا ما رأينا.
فقضية الخلاف قضية يجب أن لا توصلنا إلى ما نحن فيه أبداً، وأن المساجد لله.
فالعالم الذي في المسجد يقول: قال الله وقال الرسول، ويأتي بالدليل من الكتاب والسنة، وأحسبه على خير وأظنه كذلك فأقول له: سمعاً وطاعة.
فإذا نظرت إلى الساحة اليوم فوجدت فيها اختلافاً كثيراً فلا تحزن؛ فهذه سنة الله في خلقه، وسنة الله في الأمة، فنسأل الله أن ينزع من قلوبنا الغل والحقد والحسد، وألا يجعل في قلوبنا ضغينة على مسلم، وأن يجعلنا إخوة متحابين في الله متزاورين في الله متجالسين في الله، إن ربنا على ما يشاء قدير.