بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد: فإن دراسة السيرة النبوية الشريفة ليست سرداً للأحداث ولا إملاءً للقصص، ولكنها تذكر لكي يأخذ المسلم العبرة منها والعظة في زمن تلاطمت فيه الأحداث، وتشابكت فيه الأمور، وتشعبت فيه القضايا، فلم يستطع الإنسان في هذه الأيام أن يستبين الصواب من الخطأ، وقد يغلق على العالم وعلى الإنسان الحكيم المسلم أموراً كثيرة قد لا يصل فيها إلى نتيجة، مع ما نشعر به جميعاً من أن اعتصامنا أولاً وأخيراً، وتمسكنا أولاً وأخيراً يجب أن يكون بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولعله مما يعزي الإنسان حديث من أحاديث المعصوم صلى الله عليه وسلم، فقد سأل الله عز وجل أموراً أربعة، فأعطاه ثلاثة ومنعه من الرابع، وهذا الحديث علمه مهم؛ لكي تهدأ النفوس، ولتعلم أن هذا الخلاف الكائن على الساحة، وأن هذا الاختلاف الغريب بين المسلم والمسلم ليس إلا تحقيقاً لسنة الله في الكون.
فقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ألا يجعل هلاك أمته بسنة عامة، أي: لا يحصل للأمة مجاعة فتهلك كلها، وهذه بفضل الله، فما يزال في الأمة خير كثير، وإن كان الغني فينا مبذراً والفقير غير صابر، والذي يعطى غير شاكر، فما يزال في الأمة خير، وهذه قضية مسلم بها، وهو أن الأمة الإسلامية المحمدية لن تهلك بمجاعة.
قال صلى الله عليه وسلم: (فأعطانيها)، يعني: أنه سأل ربنا سبحانه وتعالى ألا يهلك الأمة بسنة عامة فأعطاه سؤله.
قال: (وألا يسلط عليهم أحداً من غير جلدتهم فيستبيح بيضتهم)، فلن يسلط على الأمة الإسلامية أحداً من أعدائها يضيعها، حتى وإن استقرت أمريكا في المنطقة أو الاتحاد السوفيتي أو اليهود أو غيرهم، فلن يكون هلاك الأمة على يد أجنبي.
قال: (فأعطانيها)، وليس هناك أكثر من هذا فلن تهلك الأمة بمجاعة، ولن يسلط عليها العدو.
قال صلى الله عليه وسلم: (وسألت الله عز وجل: ألا يهلكهم كما أهلك الأمم التي من قبلهم)، يعني: قوم عاد وقوم ثمود وغيرهم.
قال: (فأعطانيها)، وهذا من كرم الله أيضاً.
قال: (وسألت ربي أن لا يلبسهم شيعاً وألا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها) فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل الله للأمة ألا تفترق، وألا يضرب بعضهم بعضاً، ولا يعيب بعضهم على بعض، قال: (فمنعنيها).