إن الأب والأم إذا بكيا مرة منك فأنت عاق، فما عاقبة العقوق؟ قيل: لو يفعل العاق ما يفعل من أبواب الخير فلن يدخل الجنة، ولو يفعل البار بوالديه ما يفعل من أبواب الشر فلن يدخل النار، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا بر الوالدين.
والوالدان لهما ثلاث حالات: إما أن يكونا على قيد الحياة، أو يكونا قد فارقا الحياة، أو يكون أحدهما على قيد الحياة والآخر قد مات، فإن كانا على قيد الحياة فاسجد لله شكراً؛ لأن الأمر لا زال فيه سعة، وإن كان أحدهما قد مات فاحمد الله أنك لحقت أن تبر بالآخر، فإن علقمة عندما أراد أن ينطق بالشهادة عند الموت لم يستطع، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أأحد من والديه حي؟ قالوا: نعم، أمه، فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال ولدك لا ينطق الشهادتين، قالت: لأنني لست راضية عنه، فقد كان يدخل بالطعام على زوجته وأولاده قبلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارضي عنه يا أم علقمة، قالت: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجمعوا لي حطباً، فقالت: لماذا يا رسول الله؟! قال: لنحرق علقمة، فرق قلب أم علقمة لابنها فقالت: قد رضيت عنه يا رسول الله! فذهبوا إليه فوجدوه يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم ذهبت روح علقمة إلى بارئها.
وأتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يأذن له بالقتال معه في غزوة أحد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أأحد من والديك حي؟ قال: كلاهما حيان، وتركتهما يبكيان، قال: ارجع فالزم أقدامهما فثم الجنة، وأضحكهما كما أبكيتهما).
فمن بر الوالدين ألا يبكي أحدهما منه، ولا يوجد أحد منهما غاضب، لكن إذا كان الأب غاضباً من ابنه؛ لأنه يكثر من الذهاب إلى المسجد فهذا غضب في الهوى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأعلم أباً كان يغلق باب البيت الرئيسي ويأخذ المفتاح معه؛ حتى لا يستطيع ولده الذهاب لصلاة الفجر، فجئت لأكلمه فقال: أنا خائف عليه، فقلت له: لماذا لا تخاف عليه حين يذهب إلى النادي؟! اتركه يذهب إلى المسجد ولا تخف عليه، فإنه في حفظ الله، وما دام أن هناك عالماً ناصحاً فاهماً يعلمه فلا تخف عليه أبداً.
وبر الأم أهم من بر الأب، فإنه إذا ماتت أم العبد قال الله: عبدي ماتت التي كنا نكرمك من أجلها، فاعمل صالحاً نكرمك من أجله.
اللهم اجعلنا بررة بآبائنا أحياء وأمواتاً يا أكرم الأكرمين!