فسيدنا سويد الأسدي قال: (كنت سابع سبعة وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من القوم؟ قلنا: المؤمنون فقال: لكل شيء حقيقة وفي -رواية أخرى- لكل حق حقيقة فما هي حقيقة إيمانكم قالوا: خمس عشرة خصلة، خمس آمنا بها، وخمس عملنا بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية إن شئت أبقيناها وإن شئت تركناها)، انظر إلى الأدب عند هؤلاء! والمعنى: إن وجدتها صواباً أبقيناها، واليوم بعض الناس يقول لك: أنا أصلي، لكن الغيبة لا أستطيع أن أتركها، خذ الإسلام كله، إن الإسلام كله دستور عمل، قولوا: سمعنا وأطعنا، لا تأخذ الشيء الذي تهواه وتترك الشيء الآخر، يقول لك: أنا أريد أن أعرف حقوق الزوج على زوجته، فنقول: كذلك اسأل ما هي واجبات الزوج نحو زوجته؟! ما هي حقوق المرأة؟! لماذا تسأل فقط في الذي يهمك؟! يقول لك: كلمنا عن بر الآباء، ولماذا لا أكلمك أيضاً عن بر الأبناء؟! ابنك لابد أن يبرك، لكن كذلك أنت لابد أن تبره أيضاً، لا تكن عاقاً له، عندما تمنعه عن المسجد فهذا عقوق، وعندما تزوجه بالمرأة التي تريدها أنت وهي ليست محجبة فهذا عقوق، فعندما تزوجه اتق الله عز وجل وحافظ على بيته، لا تزوجه بامرأة سفيهة اللسان أو عاصية لزوجها، أنت مسلم يجب أن تعوض السعادة في أبنائك ما لم تحققها أنت في نفسك.
قال: (ما هي هذه الخمسة التي آمنتم بها؟) والحديث ضعفه بعض علماء الحديث، ولكن تقوى بآثار أخرى، وذكره الإمام أحمد في المسند ووصل إلى درجة الصحة، قال: (أما الخمسة التي آمنا بها يا رسول الله فنحن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر)، كل هذه غيب، الله عز وجل بالنسبة لبعض الناس غيب، لكن بالنسبة للمؤمن ليس بغيب.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد الله لا يغيب أبداً عن المؤمن، بالعكس أنت ترى آثاره في كل وقت وحين، وترى آثار رحمته، انظر إلى آثار رحمة ربك، سترى رحمة الله موجودة في كل شيء، عندما يشفي المريض وعندما يغني الفقير، وعندما يحل المشكلة، وعندما يسهل العسير، وعندما يهدي العاصي، وعندما يتوب على المسلم، كل هذه من آثار رحمة الله عز وجل.
عندما تنام وتصحو كل يوم هي آية من آيات الله، بل إنها من أكبر الآيات، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] يعني: هذا النوم صورة من صور الموت، وقال الحبيب: (النوم أخو الموت).
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل ليلة: (أيقظوا صواحب الحجرات، رب نائمة في الدنيا بائسة في الآخرة، رب طاعمة في الدنيا جائعة في الآخرة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه).
تخيل أن شخصاً يسمع الرسول يقول هكذا كل ليلة هل يصحو أو لا؟ يوقظ النساء، ثم يذهب إلى سيدنا علي، وحبيبته فاطمة فيقول: يا علي! يا فاطمة! ألا تصليان؟ فسيدنا علي يقول: يا رسول الله! إن أرواحنا بيد الله، إن شاء أيقظها وإن شاء أمسكها، فيخرج الرسول من عندهما وهو يضرب كفاً في كف ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)، أتجادل يا علي؟! قم ويكفي! لكنه كان حبيبه وكان يدلعه ويقول له: يا أبا تراب! ولذلك قيل: إن جماعة كانوا جالسين فكان أحدهم من سلالة الوليد بن المغيرة الذي قيل فيه: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] قال: أنا ابن العظيم في القريتين، والآخر جالس عند أبي جعفر المنصور الذي هو أمير المؤمنين، فقال: وأنا ابن أمير المؤمنين، وآخر رجل مسكين ليس له فخر فقال: وأنا ابن من أمر الله الملائكة أن تسجد له، من الذي غلب؟! انظروا إلى هؤلاء الناس كيف كانوا يفكرون! فسيدنا سويد الأسدي قال له: أين أول علامة من علامات الإيمان بالله؟ قال: إننا نشهد لله عز وجل في كل وقت وحين، الصغير والكبير! ثم بعد ذلك قال: وكذلك نؤمن بالملائكة، والإيمان بالملائكة غيب، لكن عندما تقرأ في القرآن أن الله خلق الملائكة وجعلهم أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، إذاً: هل هذا غيب أم شهادة؟ صار الغيب شهادة؛ لأننا نصدق ما جاء في كتاب الله، يعني: الذي يقوله عز وجل يكون حقاً وحقيقة.
نؤمن بالرسل ولا نفرق بين أحد منهم، لا تقل: فلان لا يعجبني، فلست أنت الذي تختار ما يعجبك، أنت لا تفرق بين أحد من رسل الله، ثم بعد ذلك الإيمان بالكتب المنزلة، وهي: التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم وهكذا.
كذلك نؤمن باليوم الآخر إيماناً عملياً، فإنك لو سألت شخصاً: هل هناك يوم آخر أم لا؟ سيجيب: نعم، فتقول: وهل تجهزت له؟ هل جهزت نفسك؟ يقول لك: لا، الشخص بقدر استطاعته، وليس هذا فحسب، إننا نريدك أن تكون مثل التلميذ المستعد للامتحان، فعندما يأتي إليك ملك الموت تكون جاهزاً للقاء الله! فهذه هي الخمسة التي آمنتم بها، فما هي الخمسة التي عملتم بها؟ (قالوا: نحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً).