السنن الراتبة بعد الفرائض وقبلها

تحدثنا في السنن عن رفع اليدين في الصلاة، وذكرنا أن الفقهاء عدو من السنن في الصلاة رفع اليدين في أربعة مواضع: الموضع الأول: تكبيرة الإحرام.

الثاني: عند الركوع.

الثالث: الرفع من الركوع، الرابع عند القيام من التشهد الأوسط للركعة الثالثة.

وهذه سنن لا تبطل الصلاة بعدم عملها، فلو لم يعملها المصلي فإن الصلاة صحيحة بإذن الله.

ومن السنن كذلك دعاء الاستفتاح، ويقال بعد تكبيرة الإحرام، حينما يسكت الإمام قبل أن يقرأ الفاتحة، فإنه يدعو دعاء الاستفتاح.

ومن السنن كذلك قول المأمومين خلف الإمام: (آمين) بعد فراغ الإمام من الفاتحة، والجهر بها، ومعنى قولنا: آمين أي: استجب يا رب.

والملائكة الذين يصلون معنا يؤمنون على ذلك أيضاً.

قال الفقهاء: إذا صلى المرء إماماً لجماعة فسلم: السلام عليكم ورحمة الله، فإنه يسلم على المسلمين خلفه والملائكة والجن المؤمن، وقد يقول قائل: الجني إذاً يصلي معنا، فأنا حين أصلي، أصلي وبجانبي أحد الجن، فنقول: قد كفاكهم الله عز وجل حيث قال: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27].

فإذا صلى مأموماً سلم على جاره الذي عن يمينه وجاره الذي على يساره.

وإذا كان منفرداً سلم على الملك الذي عن يمينه والملك الذي عن شماله.

ويجدر التنبيه هنا على مسألة: وهي قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من صلى بالناس فدعا لنفسه دونهم فقد خان الأمانة)، أي: لا يصح أن أصلي بك إمام وأدعو لنفسي، بل بنبغي علي أن أدعو للكل، فإذا أردت أن أدعو لنفسي فأدعو عندما أكون منفرداً، أو أكون مأموماً.

ومن المسائل المهمة التي ينبه عليها إخواننا الذين يحتجون ويقولون: لماذا لا تتركونا نصلي السنة بعد العشاء؟ نقول لهم: الأصل في السنن أن تصلى في البيوت، والفرائض في المسجد؛ لأن البيت الذي تصلى فيه السنن يراه أهل السماء مضاء كما نرى نحن أهل الأرض الكوكب الدري الغابر في الأفق، فبيوت المسلمين التي فيها قيام ليل منيرة كما نرى الكواكب في السماء.

والسنن المؤكدة في اليوم والليلة ثنتا عشرة ركعة، أولها: ركعتا الفجر، وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت: عجبت يا رسول الله لمن يصلي الفجر بعد شروق الشمس كيف يرزقه الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة! يرزقه، ولكن لا يبارك له في رزقه)، أي أن البركة مسلوبة.

وفي الحديث الآخر: (صلوهما ولو طردتكم الخيل).

ثانيها: أربع قبل الظهر، قد يقول قائل: نقرأ في كتب الفقه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي اثنتين قبل الظهر واثنتين بعده، وللتوفيق بين هذين المذهبين لابد أن يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يصلي في البيت قبل الظهر ركعتين، بعد أن يؤذن بلال، ويصلي الركعتين الأخريين عندما يدخل المسجد، فيكون مجموع الركعات أربعاً.

فالذي رأى صلاة الحبيب ركعتين فإنه رأى الرسول في المسجد فقط، أما عبد الله بن مسعود الذي كان يؤذن له بالدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى الرسول وهو يصلي ركعتين في البيت، وركعتين في المسجد، فجاء الحديث عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الظهر أربعاً، لكن الصحابي الذي لم يكن يدخل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وهذا هو أصل الخلاف القائم والأصل عدم الخلاف، فهذا وصل له شيء.

وهذا وصل له شيء، وقد تقدم أن الإمام الشافعي عندما لم يصل له حديث: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)، كاملاً، وبقيته: (إلا أن تكون مأموماً)، أوجب قراءة الفاتحة على المصلي إماماً أو مأموماً أو منفرداً.

قال الفقهاء: إن الإمام يجبر المأموم، فإن أخطأ فخطؤه عليه ولا خطأ عليهم، ولذلك من أهم شروط الإمام أن يكون من يصلي وراءه راضين به؛ لأني حين أصلي وراء إمام ولست راضياً عنه فإنني أغتابه وأنا أصلي.

كما ينبغي على الإمام ألا يفرض نفسه على الناس، لا كما يحدث في بعض المناطق يقحم نفسه أحدهم إماماً وإن كان في المصلين من هو أحفظ منه وأقرأ منه، وفي الحديث: (يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله.

فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في العلم سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم في السن).

فذكر شروط الإمامة بالتفصيل، ولم يقل كما قال بعض الفقهاء: أجملهم ثوباً أو أجملهم زوجة وغيرها من الشروط التي لم يرد بها أثر.

إذاً: أنت تصلي أربعاً قبل الظهر وركعتين بعد الظهر.

ثالثها: ركعتان بعد المغرب، وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم أحياناً يصلي بعد المغرب ستاً، يصليها مثنى مثنى، ويسميها بعض الفقهاء صلاة الأوابين.

رابعها: ركعتان بعد صلاة العشاء، فمجموعها اثنتا عشرة ركعة، وهي سنن مؤكدة، من حافظ عليهن وجبت له شفاعة المصطفى، فالذي ينبغي على المسلم أن يحافظ عليها، فإنها من الفرائض كالسور للبيت، ومثل من يصلي السنن كمثل رجل عنده بيت وحول البيت بستان، فجاء السارق يسرقه، فدخل على البستان، وما أن وصل إلى باب القصر أو باب البيت يكون الحارس قد انتبه له وأمسك به.

ومثل من لا يصلي النوافل كمثل رجل له بيت لا يحوطه بستان فإن السارق يدخل على البيت مباشرة.

فالفريضة كالبيت، والسنن كالحديقة والشيطان كالسارق يريد الدخول لإفساد الفريضة، ولذا فإنه يأتي إلى الذي يحافظ على السنن فيكسله عنها واحدة تلو الأخرى؛ لكنه لا يكاد يثنيه عن أغلبها حتى ينتبه لمكره ويستأنف نشاطه، أما من لا يصلي السنن فإنه يساومه على تأخير الفرض أو تعجيله ثم تركه بالكلية فهو على خطر.

والذي ينبغي أن ينتبه له أن على المصلي أن يثب على الصلاة إذا سمع النداء، ومن العجيب كيف يتوانى المسلم وهو يسمع: حي على الصلاة حي الفلاح، وكلمة حي: اسم فعل أمر بمعنى تعال هلم، نداء لكل مسلم لا لإبراهيم فقط أو محمد فقط أو محمود فقط أو سعيد فقط أو مبروك فقط، بل لكل مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد كان الصحابي إذا سمع حي على الصلاة يترك كل ما في يده، وهو يقول: لا بورك في عمل سمع صاحبه نداء الله ثم لم يجب، نذهب نصلي ثم نرجع.

ولا يقول كبعض الناس اليوم: أكمل الذي في يدي أذهب، وقد يطول العمل فتفوته الصلاة في جماعة، بل قد يخرج وقت الصلاة ولم يكمل بعد.

ولذا ينبغي إذا حضرت الصلاة أن تقول لصاحبك في المكتب وفي المعمل وفي الشغل وفي البيت: قم إلى الصلاة، وكذلك الزوج لزوجته، والمرأة لزوجها، الكل ينبغي أن يحض على الصلاة.

وفي الحديث: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ زوجته، فإن لم تستيقظ نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن لم يستيقظ نضحت في وجهه الماء).

ولكن هناك بعض الأخوات يفهمن الكلام على غير المراد، توقظ زوجها لصلاة الفجر وهو لا يصلي الظهر والعصر، فكيف سيصلي الفجر؟ فتأخذ الماء من الثلاجة فتصبه عليه، فيقوم الرجل وهو غاضب فيقول: من الذي قال هذا؟ فتقول: الشيخ عمر! وبعدها ترى شراً ولا تسأل عن الخبر.

والمرأة أخذت الكلام بجد.

وأنا أقول: عندما ترى رؤيا سيئة -كابوس- تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتتفل على يسارك ثلاثاً، فإحدى النساء رأت في المنام أن البيت يقع عليها فقامت فزعة من الرؤيا وذكرت محاضرتنا، فتفلت ثلاثاً فجاء على وجه زوجها! فتخيل أنت وأنت في الساعة الرابعة قبل الفجر والبصاق نازل على وجهك؟ فقام الرجل فقال: ما هذا يا امرأة؟ فقالت: والله الرجل قال كذا وكذا، وأنا رأيت كابوساً فقال: أنا لا دخل لي في الكابوس، ما الذي حصل بعد الكابوس؟ فقالت: الشيخ عمر قال، فقال لها: الشيخ عمر؟ أنت طالق ثلاثاً إن ذهبت إلى محاضرة مرة أخرى، لكن الله هداه بعد ذلك، وأصبح ما شاء الله عليه صاحبي وحبيبي الآن يزرني وأزوره، وكلكم أحبابي نسأل الله أن يديم الحب في الله سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015