ومما يذكر لنا التأريخ أن أبا حازم دخل على أبي جعفر المنصور فقال: عظني يا أبا حازم، قال: يا أمير المؤمنين! صل إلى كل ذي حق حقه، وأبو جعفر المنصور حينها يحكم العالم كله، فقد دخلت الصين في الحكم الإسلامي والمغرب وكان موسى بن نصير على بعد مائة وخمسين كيلو من باريس، لا يحول بينه وبينها إلا مرتفعات حجزت بينه وبين فتحها، ولما رأى الجليد عليها وكان أول مرة يرى فيها الجليد، قال: والله لولا هذه الثلوج لذهبت مقاتلاً في سبيلك أفتح على اسمك بلاد الله، فقال أبو جعفر المنصور واعياً لسعة ملكة ومشقة إيصال الحقوق: فإن لم أستطع يا أبا حازم.
وهنا نلمس قوة أبي حازم في الحق، فهو لم يقل له: على قدر ما تستطيع، بل قال: إذاً دعها لمن يستطيع.
ثم قال الإمام علي وهو يصف الدنيا: الدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا أينعت ظهرت ثمارها من العز والجاه والمال والكراسي والمناصب -نعت أي: تنعي الذي حظه قليل وتنوح كما تنعي الميت، والميت من مات قلبه، وليس من مات جسده، ثم قال: والدنيا إذا كست -أي عندما تكسيك- أوكست.
معلوم أن أول من يدخل الجنة بغير حساب أبو بكر، والأرملة التي ربت اليتامى، وأهل الصبر، ورجل إذا نادى زوجته وعنده ضيوف: ائتينا بشراب لم تقل له: أي شراب تريد؟ لأنه لا يوجد لديه إلا نوع واحد فقط، أما نحن اليوم فحين تذهب عند أحد الناس يقول لك: ماذا تحب أن تشرب بارد أم ساخن، إذا كان بارداً فعندنا كذا وكذا وكذا، وإذا كان ساخناً فعندنا كذا وكذا وكذا.